كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 2)

بمعنى مرضية، ولمح باصر، إنما هو مبصر فيه، وأشباه لهذا معروفة، ولكن ليس في كل شيء يقال، وإنما ينبغي أن ننتهي في اللغة إلى حيث انتهوا، ولا نتعداه إلى غيره، فإن اللغة لا يقاس عليها.
وقوله: «فلم يفقد له دمعاً ولا صبراً» من أفحش الخطأ؛ لأن الصابر لا يكون باكياً، والباكي لا يكون صابراً، فقد نسق (1) لفظة على لفظة وهما نعتان متضادان، ولا يجوز أن يكونا مجتمعين، وقد ذكرت هذا مشروحاً في أغاليطه (2).
... وقال البحتري: قد أرتك الدموع يوم تولت ... ظعن الحي ما وراء الدموع (3)
عبرات ملء الجفون مرتها ... حرق للفراق ملء الضلوع
وهذا غاية في جودته وبراعته.
وقال أيضاً:
أضحك البين يوم ذاك وأبكى ... كل ذي صبوة، وسر، وساء (4)
فجعلنا الوداع فيه سلامًا ... وجعلنا الفراق فيه لقاء
ووشت بي إلى الوشاة دموع الـ ... ـعين حتى حبستها أعداء
وهذا من إحسان أبي عبادة المشهور.

الصفحة 25