كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 2)

فتلجلجت عبراتها، ثم انبرت ... تصف النوى بلسان دمع معرب (1)
تشكو الفراق إلى قتيل صبابة ... شرق المدامع بالفراق معذب (2)
قوله: «قد بين البين المفرق بيننا»، فالبين: الفراق، يريد قد بين الفراق المفرق بيننا.
وبعض أهل اللغة يقول: «البين» من الأضداد (3) يكون الاتصال، ويكون الافتراق، وليس الأمر كذلك، بل البين: الحد والقطع بين الشيئين، والذي يتميز به (4) الحيزان أحدهما عن الآخر، يقال: وصلت بينهما، وفرقت بينهما، وبعدت (5) بينهما، فيصلح ذلك كله فيه، لأنه الحد، والبرزخ، لا أنه الاتصال، ولا الافتراق، إلا أن الشعراء جعلوه في استعمالهم: الفراق.
فقوله: «قد بين البين»، يريد قد بين الفراق المفرق بيننا.
والنوى: هي النية في انتقال القوم من موضع إلى آخر، فعشق النية لربيب الربرب استعارة ليست بحسنة، غير أن الشعراء المتأخرين قد اصطلحوا على أن جعلوا البين، والفراق، والنوى كالأشخاص، وجعلوها الحائلة بينهم وبين من يهوونه، فهم يستعيرون الأفعال لها، فربما حسنت الاستعارة لها، وربما قبحت، على حسب مواضعها في الإغراق والاقتصاد.
وقوله: «لو كنت شاهدنا» من أبياته المشهورة في الحسن والحلاوة.
وقوله: «في هجر هجر، واجتناب اجتناب» مذهب من مذاهب

الصفحة 35