كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 2)

قوله: «أثكلني» أي أثكلني من هويت، بمارقته إياي، وإن لم أثكل على الحقيقة بموته، ويكون أثكلني أي أثكلني أهلي، أي جعلني قد ثكلوني وإن لم أثكل على الحقيقة وهذا سائغ (1)؛ لأنه أراد قتل الحب الذي ليس بإتيان على النفس.
وقوله: «ما حسرتي أن كدت أقضي» أي أهلك، وأتلف، «وإنما حسرات نفسي أنني لم أفعل»، أي لم أقض وأتلف، وهذا لفظ ومعنى في غاية الضعف والاختلال والرداءة (2).
ثم وصل هذا القول بالمعنى الذي كان يفتخر به، وهو قوله:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول (3)
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبداً لأول منزل
وكان أبو تمام يقول: أنا ابن قولي: نقل ... ويذكر البيت (4)، كما كان أبو نواس يقول: أنا ابن (5) قولي:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق (6)
وكما كان مسلم بن الوليد يقول: أنا ابن قولي:
تجود النفس إذ ضن الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود (7)

الصفحة 56