كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 2)

وهذا معنى قديم متداول، وأحسن ما قيل فيه قول مزاحم العقيلي:
وجوه لو أن المدلجين اعتشوا بها ... صدعن الدجى حتى ترى الصبح ينجلي (1)
وهذا كثير.
وقال البحتري:
كالبدر إلا أنها لا تجتلى ... والشمس إلا أنها لا تغرب (2)
فجاء بمعنى آخر فيه سؤال؛ وذلك أنه لما قال: «كالبدر إلا أنها لا تجتلى» كان هذا من أحسن معنى وألطفه؛ لأن عيون الناس كلهم ترى البدر وتجتليه، وهي لا تراها العيون، ولا تجتلى [ثم قال: «والشمس إلا أنها لا تغرب» وإنما قال لا تجتلى] (3) لأنها (4) محجوبة، وإذا كانت في حجاب فهي في غروب؛ لأن الشمس إذا غربت فإنما تدخل تحت حجاب، فظاهر المعنى: كالبدر إلا أن العيون لا تراها، والشمس إلا أن العيون لا تفقدها، وظاهر هذا (5) القول -كما تراه- متناقض، وأظنه أنه أراد أنها وإن كنت في حجاب فإنه لا يقال غربت تغرب كما يقال للشمس، وإنما يقال لها إذا سافرت: بعدت، واغتربت، وغربت إذا توجهت نحو الغرب.
وقد يقال للرجل اغرب عنا أي ابعد، ولو استعار لها اسم الغروب عن الأرض التي تكون فيها إذا ظعنت عنها إلى أرض أخرى، كان ذلك حسناً جداً، لا سيما وقد جعلها شمساً، كما قال إبراهيم بن العباس الصولي:
وزالت زوال الشمس عن مستقرها ... فمن مخبري في أرض غروبها (6)

الصفحة 90