كتاب مجلة «الزهور» المصرية (اسم الجزء: 2)

بريشة رافائيل فيصور العواطف تصويراً، ورسم المعاني رسماُ، وما الكاتب القدير إلا من استرق إليه النفوس، وملك قيادها فتلاعب بها ما شاء وما شاء له التفنن والإبداع، فصير قارئه أسيره وطوع إرادته يضحك لضحكه، ويغضب لغضبه. كذلك رأيت ولي الدين. فهو يرضيك ساعة الرضى ويستبكيك حين يبكي حتى تكاد تلمس دموعه لمس اليد، وتحس بناره تتأجج من خلال ألفاظه وهي تأكلها أكلاً. ولقد وقفت أنظر إليه وأتأمله في وداعه للأستانة يوم اكره على مغادرتها في الليل أسيراً منفياً، تاركاً أهله وولده، غير عالم إلى أين مصيره، وسمعته يتحسر على فروق ويتأوه على البوسفور، فخلت أني أسمع أنينه بأذني، وأرى شقاءه بعيني، وألمس جراحه بيدي. ورأيته وهو يكتب نثراً كأنه ينظم شعراً، بل رأيت في تفجعه الشعر الحقيقي مجرداً عن الوزن، طليقاً من القافية، فقلت في نفسي إنما هذا أرمياء آخر يبكي على أورشليم جديدة.
فإلى الأدباء كتاب المعلوم والمجهول فهو من خير ما تحتويه المكاتب، ومن أنفس ما يخلد فيها من نفائس المطبوعات في هذه الأيام. وجزى الله كاتبه خير الجزاء وعفا عنه.
نعمان خوري قنصل فرنسا
هو اسم رجل عرفه وعرف مآثره الطيبة أبناء الشرق والغرب فقد ولد في بكاسين من أعمال لبنان ودرس اللغات العربية والتركية والفرنسوية والإنكليزية في بيروت فنبغ فيها ولم يلبث أن سافر إلى عاصمة الفرنسيس

الصفحة 549