كتاب مجلة «الزهور» المصرية (اسم الجزء: 2)

صافية فهم يتخذون مثل ذلك حلية خزائنهم وآية عظمتهم.
وكما طبعوا على العناية بحفظ آثار العظماء طبعوا أيضاً على الحنين إلى كل بلدٍ نبغ فيه فاضل أو خرج منه عظيم حتى إذا حانت لهم فرصة لزيارته اغتنموها تبريداً لغلة الشوق بلقائه أن حياً وبرؤية بلده أو بيته أو رمسه أن ميتاً فهذا عاهل الألمان قد زار يوم كان في دمشق قبر صلاح الدين الأيوبي ووضع عليه أكليلاً أجلالا لذلك الملك المشهور بالبسالة والحزم ولم يردّه عن تكريم الرمس ما كان بين ضجيعه وبعض ملوك الألمان من الوقائع الحربية.
ولقد جربت ذلك بنفسي فإني لما كنت العام الماضي في طريق حلب لم أكد أحول نظري عن جهة المعرة حتى جاوزت وذلك أن في قلبي حنيناً إلى بلدةٍ تشرفت واشتهرت بأنها مولد أبي العلاء المعري.
فكم من بلد شرف من أجل أنه مولد شهير. وكم من بقعة عظم قدرها وبعد ذكرها لما أنها مدفن عالم نبيل أو فيلسوف عظيم أو فاتح عزيز. فهذه جزيرة القديسة هيلانة قد انتشر ذكرها في كل ناحيةٍ من الأرض لمجرد أنها كانت منفى نادرة الزمان بل يتيمة الأيام نابليون الأول عاهل الإفرنج. وهذه تواريخ المدن والممالك لا يُذكر فيها الأمن تنبه بهم أوطانهم وتعتز بهم بلادهم فيجعلهم المؤرخون قلائد على أعناق تلك الممالك وتيجان مجد على رؤوس تلك الأمم. فإذا كان إلى هذا الحد يبلغ أعظام الناس لأوطان المشاهير ومنازلهم وقبورهم فماذا عسى يكون إعظامهم للأرض التي ولد ونشأ فيها السيد المسيح الذي أبى أن يحفل بالظاهر الحسن والباطن قبيح.

الصفحة 9