كتاب النقد الأدبي ومدارسه الحديثة (اسم الجزء: 2)

أما بلاكمور فإن مراجعته للأناشيد كانت على النقيض من هذا تماماً. فقد قرر أولا أن الشعر في الأناشيد ليس إلا حجاباً يسميه بوند: " Persona "، فهو يذهب إلى جذور هذه الكلمة اللاتينية، ثم ينفق اثنتي عشرة صفحة في دراسة أثرين كاملين من آثار بوند هما " هيو سلوين موبرلي " و " مراسيم الطاعة لسكستوس بروبرتيوس " ويتخذ منهما مفتاحين للأناشيد، ويحلل القصيدة الأولى بشيء من الاسهاب، ويترجم بيتاً اقتبسه بوند عن الإغريقية، ويفسر ما فيه من إشارات إلى كابانيوس الملحد الذي رماه جوبتر بالصاعقة، ويحشد العبارات التي أخذها بوند من الشاعر اللاتيني بروبرتيوس (19 ق. م) وأدرجها في القصيدة الثانية، ويقارن بين النص اللاتيني وترجمة بوند، وبين ترجمة بوند وترجمة بتلر الحرفية التي نشرتها مكتبة لوب، مقارنة مسهبة بعض الشيء. ثم ينفق اثنتي عشرة صفحة أخرى في تلخيص الموضوعات الكبرى التي احتوتها الأناشيد، ويقول في أثناء ذلك:
" إما أن يكتفي القارئ بقراءة الأناشيد نفسها، كأنها شيء مسترسل يوضح نفسه بنفسه، وإما أن يفتش عن المادة التي استغلها بوند نفسه أو عما يستطيع استكشافه منها؟ غير أن الفكر الحي النشيط لا يقف دائماً عند حدود الظن، مهما يكن الظن مقنعاً، أن كان في مقدوره ان يحصل على اليقين ".
ويعني هذا أن بلاكمور حين فسر الإشارات الواردة في الأناشيد عن عائلة مالاتستا، اطلع على أربعة كتب عن تلك العائلة وقرأها، وكانت ثلاثة منها بالإيطالية، والرابع منها لم ينشر بعد. وأخيراً يأخذ في تفسير القصائد وتقويمها بعد هذا التحليل الشامل المستوفي.
وهذا خير مثل على ما يتمتع به منهج بلاكمور من قوة إذا قارناه بجهل أكثر النقاد المعاصرين وضحالتهم وتراخيهم وتكاسلهم، وإذا كان

الصفحة 15