كتاب النقد الأدبي ومدارسه الحديثة (اسم الجزء: 2)

عراك وتطور ولا يحكم بالنصر لأحدها غلا في النهاية؟ أليس أن مونتين يفسح المجال دائماً لفكرة أخرى، ويهيئ دائماً مكانا ثالثا لسخرية مؤقتة تفصل في النزاع بين الفكرتين؟ أليست الأشكال التي ينشئها كل من الرجلين قائمة على السخرية لأنها دائما تفضح الازدواج في كل فكرة، في أعمق اعماقها، فهي تدل عليها كأنها تعرضها للاتهام الذاتي، وتبرزها في معمعان الحياة لا محصورة في البحث الحيوي، يصبح حين نستعيره ونزاوج بينه وبين حاجاتنا هو المسلك العقلي الوحيد لتكثير المبادئ وضروب " التقنيات " المتغطرسة التي تملأ أوعية التفكير النقدي لدينا.
أما إن كان المفكرون والفنانون اقل شاناً من أفلاطون ومونتين، أو كانوا مثلهما عظمة لكن آثارهم أدنى منزلة، فها هنا يضيف بلاكمور قائلا: " علينا أثناء القراءة والنقد ان نضيف الشك والسخرية من لدنا ". وقد يضيف بلاكمور نفسه هذه السخرية في كتاب " مزدوجات " على نحو حذر من التجريب؛ وإليك هذه الأمثلة:
" ليس من العسير أن نطبق هذه القسمة على كرين إذا قمنا بها تجريبا دون أن نتطلب منها أن تكون مثمرة، أو أن تكون هي القول الفصل ".
" يجب ألا نوغل في استقواء النظير لان قيمته غنما تكمن في عدم انطباقه انطباقاً كاملاً ".
" أن هذه العبارات التي نريد بها تمييز هذا من ذاك إنما هي خاضعة للتصحيح والتسديد ".
ومثل هذا المسلك الحذر التجريبي غير الحاسم يجذب إليه القارئ

الصفحة 23