كتاب النقد الأدبي ومدارسه الحديثة (اسم الجزء: 2)

ويتضاءل بذلك شيكسبير. أو يعتمد الدارسون نسخة شيكسبير الأصيلة " المسودة الأولى " حيث كتب على الورق أو زور في ذهنه كلاماً ويصفونه بأنه بسيط واضح جداً، أو يتجه الدارس منهم إلى " أن يستمد من ذلك المنبع قصيدة صغيرة يدبجها بنفسه ". أي أن امبسون يعتقد أن المشكلات المحيرة في شعر شكسبير إنما هي - بوجه أو بآخر - توريات مقصودة وأنواع من الغموض، وان الدارسين قد انهمكوا - بوجه أو بآخر - في إلغائها والقضاء عليها (1) . (أن الاقتراح الوحيد الذي أستطيع تقديمه لأي قارئ يرى هذه الأفكار مجتلبة من بعيد أو تافهة هو أن يقرأ جدل امبسون مع التحليل المسهب المشفوع بست من الصور المقنعة) .
ولعل التحليل المتعلق بشيكسبير هو أكثر شيء ألقاً في الكتاب ولكن ربما كان أقيم ما فيه، في النهاية، ملحظ واحد ينبئ عن الطريقة " النوعية "
__________
(1) هنالك تعبير نموذجي عن الحيرة المتبرمة التي يواجه بها الدارس الغموض الشعري المتعمد، موجود في تعليقات روبرت بردجز على الطبعة التي حققها من شعر صديقه هوبكنز. يقول بردجز:
ها هنا إذن مصدر آخر للإبهام عند الشاعر وهو انه حين يهدف إلى التركيز يغفل الحاجة إلى العناية بكيفية وضع الكلمات الغامضة من حيث العلاقات النحوية. فاللغة الإنجليزية تكتظ بكلمات لا يتغير شكلها عن كانت اسماً أو صفة أو فعلا، ومثل هذه الكلمة يجب إلا توضع أبدا وضعاً يؤدي إلى الشك في أي نوع هي من الكلام، لأن مثل هذا الغموض أو هذا الشك الموقت يحطم قوة الجملة. أما شاعرنا هذا فإنه لا يغفل فحسب أمر هذه الصحة الضرورية بل يبدو انه يرحب بها ويبحث عن التأثير الفني في الفوضى الناجمة عن ذلك، وأحيانا يرتب الألفاظ ترتيباً يجعل القارئ، وهو يبحث عن الفعل، يجد أن لديه اثنتين أو ثلاثاً من الكلمات الغامضة ذات المقطع الواحد وان عليه أن يختار إحداها فيقع في شك حول أيها هي الأصح لتعطيه المعنى الذي يفضله، ثم بعد أن يقع اختياره على إحداها يظل لديه كلمات ذات مقطع واحد لا يديري في أي مكان من الجملة يضعها. وشاعرنا أيضا لا يحس بالإيحاءات المتنافرة التي تسببها الكلمات العديدة ذات الأصوات المتشابهة فيثير أنواعا أخرى من الغموض والإبهام وذلك بضغطه على معاني هذه الكلمات التعسة.

الصفحة 61