كتاب النقد الأدبي ومدارسه الحديثة (اسم الجزء: 2)

وبقراءته، وأشده إمعانا وإسهابا فيما خطته يد إنسان، أي يحتوي على نثل جذاب عجيب لا يكاد ينتهي للمشتملات والإمكانات اللغوية، وليس لدينا مجال كاف لاقتباسه طويلة طولا يكشف عن الميزة الصحيحة للكتاب ولكن الفقرة التي تقدمت عن " مرابع الرتتيل العارية المهدمة " توحي بنسبة الإسهاب في التحليل لبيت كامل أو مقطوعة أو قصيدة. وهذه القراءات لا تعتمد، فحسب، تناول تهمة " الغموض " ونشرها راية ينضوي تحتها كل ما يحتاج قراءة دقيقة، واتخاذها موضوعاً يستحق الثناء بل تعتمد أيضاً على قبول كل ما رفضه الآخرون في البيت كله. وإذا كان هناك من سر خاص بإمبسون فذلك هو تحويله السالب إلى موجب كأنما يقول عند كل موقف: " طيب، لا بأس. هكذا هي؟ وهذا أحسن ". فإمبسون يضم إلى صدره خباثة شيكسبير الخاصة أي التورية أو المواربة اللفظية، ويعتبرها مركزاً للمعنى لا تبدداً فيه، ويعشق الخطأ المطبعي، فهو في نظره ذكي دال، لأنه يوحي بمعان خبيثة مدفونة، وهو يرضى أن يقبل تهمة الشذوذ الجنسي التي رمي بها شيكسبير ويقفز منها تواً إلى إنشاء علاقة بينها وبين ميله للتورية: " لذة مؤنثة في الانقياد إلى سحر اللغة المنيم ". وهو يواجه، بصراحة، التصوير الحسي المروع في الشعر الديني الميتافيزيقي - مثل الذي قاله كراشو عن طهارة القديسة تريزا في تلك الصورة الدفينة عن الجماع أو صورته التي قال فيها أم جرح المسيح حلمة دامية " لابد للأم العذراء أن ترضع - عندها - الابن "، ودراسته لهذا التصوير مثل جميل على النوع السابع من الغموض.
ويتقل إمبسون، لأغراض سقراطية المنزع، جميع التهم التي يمكن أن توجه إلى طريقته، فيقول في موضع من كتابه: " إن عادة البحث عن الغموض تقود بسرعة إلى الهلاس، مثلما تمرن نفسك على أن تسمع دائماً

الصفحة 63