كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)

الشرح:
وأما احتجاجهم بما رواه أنس من أنه صلّى اللّه عليه وسلّم مر ليلة أسري به على موسى بن عمران عليه السلام وهو قائم يصلي في قبره، فقد روي الحديث مرفوعا وموقوفا، ففي رواية مسلم وأبي داود يرفع أنس الحديث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال «مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره» وأبو يعلى الموصلي يرويه في مسنده موقوفا على أنس مرة بلفظ أخبرني بعض أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره. ومرة عمن سمع أنسا قالت سمعت أنسا أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة أسري به مر بموسى وهو يصلي في قبره، ولهذا وقع في القلب حسكة، أي شك منه، هل قاله الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم أم لم يقله، فإن كان قاله فالحق ما قاله صاحب البرهان عليه السلام، ولذلك أيضا أعرض الإمام محمد بن اسماعيل البخاري رضي اللّه عنه عن روايته في صحيحه عمدا بلا نسيان، وأعله بذلك الدار قطني حيث رواه موقوفا على أنس، وليس بالمرفوع وما كان أشد شوقنا إلى معرفة الحق من هذه الروايات، فإن بينها تفاوتا في السياق، لكن الأولى قبول رواية مسلم وغيره ممن صح عندهم رفعه، فإن رواته كلهم ثقات، وكلهم أعلام هدى، وهم القائمون على حفظ الدين في جميع العصور، لكن هذا المعنى وهو قيام الكليم مصليا في القبر ليس مختصا به وحده حتى ينهض دليلا لكم على حياة الأنبياء في قبورهم فقد روى ابن حبان وغيره خبرا صحيحا مؤداه أن المؤمن الذي مات محققا لإيمانه تمثل له الشمس التي كان يرقبها في الدنيا يتحين بها أوقات الصلاة فيراها قد مالت للغروب، فيخاف فوت صلاة العصر فيستأذن الملكين اللذين هما منكر ونكير قائلا لهما: هل تدعاني حتى أصلي العصر قبل خروج وقتها، فيقولان له ستفعل ذلك بعد الآن. فإذا جازت الصلاة في القبر ممن كان موته محققا لا ريب فيه، فجوازها ممن وقع النزاع في حياته أو موته أولى. ولقد كان ثابت البناني رحمه اللّه- وهو أحد رواة حديث أنس- يدعو اللّه عز وجل بلسان صدق أن يجعله مصليا في قبره إن كان قد أعطى ذلك لغيره من الناس، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

الصفحة 16