كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)
و كتابتها ولا برفعها إلى اللّه، فإن لذلك كله ملائكة موكلين به، وكيف يعقل ان يسوء اللّه عز وجل نبيه ويحزن قلبه وينغّص عليه ما هو فيه من أنواع النعيم بعرض حصائد الناس من الشرور والمعاصي عليه. أ ما يكفي ما تحمله في حياته من أنواع المشقات وكبار التضحيات. والحديث فيه كذلك إغراء بالمعاصي ودعوة إليها، فإنه إذا كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم سيستغفر لعصاة أمته كلما عرضت عليه أعمالهم، ولا شك أن استغفاره موجب للمغفرة لم يضر أحد ما يرتكبه من ذنب. وهو معارض للأحاديث الصحيحة التي تدل على أنه لا يدري بعد موته شيئا من أحوال أمته، فقد جاء في حديث الحوض (أنه يرد عليه أناس من أمته الحوض، وأنه يهم ليسقيهم فتجي ء الملائكة وتذودهم عن الحوض، فيقول الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم: هؤلاء أصحابي أعرفهم، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: سحقا وبعدا لمن أحدث بعدي، ويتلو قوله تعالى وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117].
و لو فرض صحة هذا الأثر فإن عرض الأعمال عليه صلّى اللّه عليه وسلّم من شئون الغيب التي نؤمن بها ولا نعلم كيفيتها، مع علمنا يقينا أنه ليس عرضا حسيا يقتضي رؤية أو سماعا أو غير ذلك مما هو من شئون الحي. وهو أيضا ليس مختصا به حتى يكون دليلا على حياته في قبره، بل قد ورد في عدة آثار حالها في الإسناد على ما فيه أحسن من هذا الحديث أن الإنسان يعرض سعيه على أبيه الميت وأقاربه وإخوانه فإن كان سعيا صالحا فرحوا به واستبشروا، وإن كان سعيا سيئا حزنوا وتكدروا ودعوا اللّه عز وجل ان يرده عن غيه ويوفقه للصالحات. ولهذا استعاذ راوي هذا الحديث- وهو الصحابي الجليل عبد اللّه بن رواحة الذي استشهد في غزوة مؤتة- باللّه من كل عمل يخزيه عند أهله وأقربائه الميتين.
و الفرق بين الأمرين أن هذا عرض خاص بالنسبة للأهل والاخوان، وأما الرسول فيعرض عليه ما يعمله الثقلان.