كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)
و اعلم أن المؤلف رحمه اللّه قد تساهل في قبوله هذه الآثار، وكان الأولى به أن ينبه على ضعفها وأنها لا يمكن أن تقوم بها حجة، لا سيما في هذه المسائل التي يجب الاحتياط فيها حتى لا يفتح الباب للدعاوى العريضة والاختلاقات الباطلة، كما فعل المتصوفة بالنسبة إلى مشايخهم المقبورين، فقد رووا عنهم بعد الموت ما لا يصدقه عقل، والسبب في ذلك طبعا هو التساهل في قبول مثل هذه الآثار من غير روية ولا تمحيص، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
هذي نهايات لأقدام الورى ... في ذا المقام الضنك صعب الشأن
والحق فيه ليس تحمله عقو ... ل بني الزمان لغلظة الأذهان
ولجهلهم بالروح مع أحكامها ... وصفاتها للألف بالأبدان
فارض الذي رضي الإله لهم به ... أ تريد تنقض حكمة الديان
هل في عقولهم بأن الروح في ... أعلى الرفيق مقيمة بجنان
وترد أوقات السلام عليه من ... أتباعه في سائر الأزمان
وكذاك إن زرت القبور مسلما ... ردت لهم أرواحهم للآن
فهم يردّون السلام عليك ل ... كن لست تسمعه بذي الأذنان
هذا وأجواف الطيور الخضر ... مسكنها لدى الجنات والرضوان
من ليس يحمل عقله هذا فلا ... تظلمه واعذره على النكران
للروح شأن غير ذي الأجسام لا ... تهمله شأن الروح أعجب شان
وهو الذي حار الورى فيه فلم ... يعرفه غير الفرد في الأزمان
هذا وأمر فوق ذا لو قلته ... بادرت بالإنكار والعدوان
فلذاك أمسكت العنان ولو أرى ... ذاك الرفيق جريت في الميدان
هذا وقولي أنها مخلوقة ... وحدوثها المعلوم بالبرهان
هذا وقولي أنها ليست كما ... قد قال أهل الإفك والبهتان
لا داخل فينا ولا هي خارج ... عنا كما قالوه في الديان