كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)
ولذاك أعلم خلقه أدراهم ... بصفاته من جاء بالقرآن
وله صفات ليس يحصيها سوا ... ه من ملائكة ولا انسان
ولذاك يثني في القيامة ساجدا ... لما يراه المصطفى بعيان
بثناء حمد لم يكن في هذه الدني ... ا ليحصيه مدى الازمان
وثناؤه بصفاته لا بالسلو ... ب كما يقول العادم العرفان
الشرح:
فاذا ادعيتم أن في اثبات صفات الكمال له سبحانه ما يقتضي لحوق نقص به، فتلك دعوى مجردة من الدليل، بل هي محض البهت والمكابرة فليس في ذلك شائبة نقصان أصلا، لأن النقص مرجعه الى أمرين اثنين: أما سلب الكمال الواجب له، واما نسبة الشريك إليه، وأما أن يعد ثبوت أوصاف الكمال له نقصا فذلك مما لا يسانده عقل ولا يشهد له نقل، بل العكس هو الصحيح وهو أن الكمال انما يكون بكثرة الصفات الوجودية لا في سلبها، فسلبها هو النقص، اذ الكمال وجود والنقص عدم، فمن فقد صفة من صفات الكمال يكون قد لحقه من النقص بقدر ما فقد من تلك الصفة، لأنه حينئذ يكون متصفا بضدها، وضد الكمال النقص.
فاذا كان العلم صفة كمال فسلبه وهو الجهل يكون نقصا، وكذلك الظلم نقص لأنه سلب لصفة الكمال التي هي العدل والاحسان، وهكذا في جميع صفات الكمال من القدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وغيرها، يكون سلبها نقصا، فالمتنقص للرحمن جل جلاله هو الذي يسلبه أوصاف الكمال الثابتة له، تعالى اللّه عما يقوله المعطلة النافون لكماله.
و أما المثنى عليه فهو الذي يذكره بأوصاف الكمال التي أثنى على نفسه بها، وأعلم خلقه أنه موصوف بها، ويحمده عليها ويمجده في كل وقت وحين. ولذلك كان أعلم خلقه به سبحانه هو أكثرهم علما بصفاته، وهو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وله مع ذلك من الصفات ما لا يحصيه أحد من خلقه، كما قال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم «سبحانك لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ولذلك ورد في حديث الشفاعة