كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)

عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وخَيْرٌ أَمَلًا [الكهف: 46].
فالويل لمن أهمل أن يغرس لنفسه في أيام قدرته وإمكانه، لقد ضيع على نفسه أعظم فرصة.
فيا من يؤمن إيمانا جازما بأنه سيجني هناك ما قدم لنفسه هنا ثم لا يسعى لذلك سعيه ولا يهتم له اهتمامه بأمره دنياه، قل لي بربك كيف يجتمع إيمان وإهمال أ رأيت لو كان لك بستان فعطلته من الغراس هل كنت تجني منه شيئا، وكذلك لو كان لك أرض فعطلتها من البذر، فهل كنت ترجو أن تغل لك غلة كثيرة؟
ما قال اللّه هذا ولا قاله رسوله عليه الصلاة والسلام، بل جعل اللّه الأعمال سببا للجزاء، وجعل الجزاء من جنس العمل وعلى وفاقه وقدره، قال تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ولا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ولا نَصِيراً ومَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء: 123، 124] ولا تعارض بين هذا وبين ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه الشيخان «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، فقيل له: ولا أنت يا رسول اللّه؟ فقال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمة منه وفضل».
فإن باء الإثبات في مثل الآية السابقة هي باء السبب، فالأعمال أسباب فقط في دخول الجنة، وباء النفي التي في الحديث للمقابلة، يعني أن الأعمال لا تصلح أن تكون ثمنا للجنة ولا سببا لدخولها لو لا فضل اللّه ورحمته.
قال المؤلف رحمه اللّه في حادي الأرواح:
(و هاهنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة اللّه تعالى، وليس عمل العبد مستقلا بدخولها وإن كان سببا، ولهذا أثبت اللّه دخولها بالأعمال في قوله: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 43] ونفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخولها بالأعمال بقوله: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» ولا تنافي بين الأمرين لوجهين: أحدهما ما ذكره سفيان وغيره قال: كانوا يقولون النجاة من

الصفحة 438