كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)
التقوى والإيمان، فهما ثمنها الذي لا تنال إلا به من دون سائر الأثمان، ولكنها سلعة بائرة عند الأخساء من أهل الكفر والفجور والعصيان.
فيا سلعة الرحمن أين مشتريك، فقد عرضك مولاك بأيسر الأثمان، ولكنه ليس يسيرا إلا على كل موفق ذي ثقة، ولا يستطيعه أهل الخيبة والخذلان. وأين خطابك الذين يقدمون لك المهر في حال الحياة، فإنه قبل الموت ذو إمكان.
و كيف سلو هؤلاء الخطاب واصطبارهم عنك إذا كانوا بك ذوي إيمان، فو اللّه لو لا أنك حففت بالمكاره والشدائد لما تخلف عنك إنسان ولتعطلت النار التي هي دار الجزاء الثاني وخلت من السكان، ولكن اللّه حجبك بكل كريهة حتى لا يطيقك إلا كل مشمر مقدام غير متوان ولا جبان، وحتى يعرض عنك كل مبطل كسلان. وهل ينالك في علاك إلا كل عالي الهمة غير مخلد إلى الأرض والحطام الفاني، بل ساعيا إلى ربه بمشيئة الرحمن.
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد ... راحاته يوم المعاد الثاني
وإذا أبت ذا الشأن نفسك فات ... همها ثم راجع مطلع الإيمان
فإذا رأيت الليل بعد وصبحه ... ما انشق عنه عمودة لأذان
والناس قد صلوا صلاة الصبح وان ... تظروا طلوع الشمس قرب زمان
فاعلم بأن العين قد عميت فنا ... شد ربك المعروف بالإحسان
واسأله إيمانا يباشر قلبك ال ... محجوب عنه لتنظر العينان
واسأله نورا هاديا يهديك في ... طرق المسير إليه كل أوان
واللّه ما خوفي الذنوب فانها ... لعلى طريق العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من ... تحكيم هذا الوحي والقرآن
ورضا بآراء الرجال وخرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمن
الشرح:
وإذا كانت الجنة لا ينالها إلا من شمر لها وسعى لها سعيها وجد في طلبها، فكن ممن يؤثر الآجلة على العاجلة ويتحمل كل ما يصادفه في سيره إلى