كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)
هذا هو التوحيد عند فريقهم ... تلك الفحول مقدمي البهتان
والشرك عندهم فإثبات الصفا ... ت لربنا ونهاية الكفران
إن كان شرك ذا وكل الرسل قد ... جاءوا به يا خيبة الإنسان
الشرح:
والثالث من أنواع التوحيد الباطل هو توحيد الجهم بن صفوان وشيعته، وهو يقوم على التعطيل المحض وعدم الإيمان بثبوت شي ء من الصفات للّه عز وجل لأن ذلك يقتضي في زعمهم مشابهة اللّه لخلقه فهو عندهم ليس حيا ولا عالما ولا مريدا ولا سميعا ولا بصيرا الخ، وهم كذلك ينفون علوّه تعالى على خلقه واستواءه على عرشه، كما أخبر بذلك نفسه وينفون حقيقة كلامه بالوحي والقرآن ويقولون أن معنى كونه متكلما أنه خالق للكلام. وبناء على زعمهم الفاسد يكون العرش خاليا ليس عليه شي ء فليس فوقه رب يقصد ولا إله خالق يعبد، بل يكون حظ العرش منه الذي هو أعلى الموجودات كحظ الحضيض الذي هو أسفل الأمكنة عند مركز الأرض.
و بالجملة فهم يعطلون الرب سبحانه عن جميع ما يجب له من نعوت الكمال من كلام وغيره، ومن أراد أن يعرف مذهبهم على التفصيل فليرجع إلى ما حكى عنهم في صدر هذه القصيدة، فقد أشبع المؤلف رحمه اللّه الكلام في هذا الباب بما لا مزيد عليه.
هذا هو توحيد هؤلاء الجهمية أئمة الكفر والضلال ومؤسسو البهتان لمن جاء بعدهم وقلدهم فيه من العميان.
و الشرك عندهم بل ونهاية الكفر هو ما يضاد مذهبهم وينافيه من إثبات الصفات للّه، وقد رد المؤلف عليهم بأن هذا الإثبات إن كان شركا، ومعلوم أن جميع الرسل والأنبياء عليهم صلوات اللّه وسلامه قد جاءوا به وصرحوا في غير خفاء ولا كتمان فقد باء الناس بالخيبة والحرمان حيث لم يتعلموا من معلمي الإنسانية وأساتذة العرفان والإيمان إلا ما هو ضلال وبهتان.