كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)

الآيات التي تنفى عن اللّه ما لا يليق به من اتخاذ الصاحبة والولد والشريك، لأنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الغني الذي لا يحتاج الى أحد من خلقه بوجه من الوجوه، وكل الخلق مملوكون له وفقراء إليه.
و كذلك يجب أن ينفى عنه أن يكون أحد مكافئا، أي مساويا له في كماله وفيما يجب له من حقوق، كما قال تعالى: ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65] فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً [البقرة: 22] فليس لأحد صفات تقارب صفات اللّه سبحانه ولا افعال تشبه أفعاله، بل ليس لأحد من خلقه استقلال بفعل شي ء أصلا حتى يعينه اللّه عليه. ولهذا كانت أفعال العباد تابعة لمشيئة اللّه تعالى مع وقوعها منهم بقدرهم وارادتهم، فان خالق القدرة والإرادة خالق ما يكون بهما كما قال تعالى لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [التكوير: 28، 29].
و مما ينفى عن اللّه وينزه عنه أيضا أنه ليس لنا ولى سواه يلي أمورنا، فهو وحده المتولي لأمور خلقه في الخلق والرزق والتدبير وأنواع التربية العامة والخاصة، وولايته تعالى نوعان:
ولاية عامة شاملة للبر والفاجر، وهي ولاية الخلق والتدبير، كما قال تعالى ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ [السجدة: 4] فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ [الشورى: 44].
و ولاية خاصة، وهي ولايته تعالى للمؤمنين المتقين يخرجهم بها من ظلمات الكفر والجهل والمعصية الى نور العلم والايمان والطاعة، قال تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] وقال أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الْآخِرَةِ [يونس: 64].
و كذلك لم يتخذ سبحانه من خلقه وليا من الذل لكمال اقتداره وغناه وعظمته وانما يتخذ منهم أولياء رحمة بهم واحسانا إليهم، يحبهم ويحبونه.

الصفحة 58