كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)
وأنظر إلى ما فيه من أنواع مع ... رفة لخالقنا العظيم الشأن
الشرح:
تضمنت هذه الأبيات جملة من الأسماء الحسنى الدالة على ما اشتملت عليه من صفات الكمال، فهو حي متصف بالحياة الكاملة اللازمة لذاته أزلا وأبدا فلم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء، وقد سبق أن قلنا أن جميع صفات الكمال الذاتية ترجع إلى صفة الحياة التي تعتبر شرطا فيها كلها، فإنه لا يصح اتصافه بشي ء منها إلا كان حيا، ويكون كمال حياته مستوجبا لكمال هذه الصفات وهو مريد بإرادة قائمة بذاته تتعلق بكل ما أراد إيجاده واحداثه، فلا يشذ عنها شي ء من المكونات، بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وليس معنى ذلك أن له إرادة واحدة قديمة تعلقت بجميع المرادات في الأزل، كما يقول بذلك من لا عقل له، وإنما تنشأ في ذاته سبحانه إرادات جزئية على وفق علمه وحكمته، فحدث عنها المرادات بلا مهلة ولا توان، كما قال سبحانه: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 40] أي فيحدث عقب إرادته وتكوينه له، لا مع الإرادة ولا متراخيا عنها.
و هو كذلك قادر بقدرة تامة لا يعجزها شي ء. فمهما أراد شيئا من الممكنات أبرزه بقدرته لا يلحقه من ذلك تعب ولا اعياء، قال تعالى: وما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ ءٍ فِي السَّماواتِ ولا فِي الْأَرْضِ [فاطر: 44].
و هو أيضا متكلم بكلام هو صفة له قائمة بذاته، فإنه لا معنى للمتكلم إلا من قام به الكلام. وكلامه تعالى من صفات الفعل التابعة لمشيئته وقدرته، فهو يتكلم متى شاء وكيف شاء بكلام هو حروف وأصوات، يسمعها من يختصه من خلقه بتكليمه.
و هو ذو رحمة وسعت كل شي ء في الدنيا، وبلغت حيث بلغ علمه، واختص بها عباده المؤمنين في الآخرة، كما قال تعالى: ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ [الأعراف: 156] الآية.
و رحمته سبحانه صفة له على ما يليق به، تقتضي إحسانه إلى خلقه وإيصال