كتاب شرح القصيدة النونية = شرح الكافية الشافية - ط العلمية (اسم الجزء: 2)

و اذا صح الخبر بموته عليه السلام فهل جاء ما يفيد أن اللّه يبعثه لنا في القبر قبل يوم القيامة؟ لم يرد ذلك في كتاب ولا سنة، مع أنه يقتضي محالا، وهو أن يكون للرسل عليهم الصلاة والسلام ثلاث موتات ولغيرهم من الناس موتتان اثنتان، لأنه عند النفخ في الصور النفخة الأولى لا يبقى أحد ممن هو على ظهر الأرض حيا، كما قال تعالى: ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ومَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: 68] وحينئذ يقال لكم: هل يموت الرسل عند تلك النفخة مع من يموت؟ أم يبقون أحياء؟ أم لكم في هذه المسألة قولان؟ أجيبوا بعلم ان كنتم صادقين، وتكلموا بالدليل والبرهان لا بالظن والتخمين، فان مناظريكم من ذوي العقول التي لا يروج عندها ادعاء المكابرين ولا سفسطة المشاغبين.
هذا وقد كان السلف رضي اللّه عنهم ينهون عن رفع الأصوات حول قبره الشريف، ويقولون لمن يفعل ذلك ان اللّه قد أمرنا بغض الصوت عند رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وأن حرمته ميتا كحرمته حيا، فهلا قالوا لهم بدلا من ذلك ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حي فغضوا أصواتكم عنده؟ لكن حاشا لهم أن يقولوا ذلك، فانهم أعلم باللّه وبرسوله وبحقائق الايمان من أولئك الأدعياء الجاهلين الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويقولون على اللّه وعلى رسوله ما لا يعلمون.
و لقد كان الصحابة من المهاجرين والانصار رضي اللّه عنهم يستسقون بالعباس عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اذا نزل بهم قحط واحتبس عنهم المطر، وقد استسقى به عمر رضي اللّه عنه عام الرمادة وقال وهو يقدمه (اللهم انا كنا اذا أجدبنا توسلنا أليك بنبينا في حياته فتسقينا، ونحن نتوسل أليك الآن بعم نبينا فاسقنا) فلو كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حيا في قبره كما زعمتم وليس بينهم وبينه الا جدار القبر وحجرة زوجه عائشة رضي اللّه عنها، فكيف يليق بهم وهم أكمل هذه الأمة علما وايمانا أن يعدلوا الى الاستسقاء بغير رسول اللّه أيا كان وهو حي بينهم يملك الدعاء ويقدر على الكلام باللسان، أن هذا الا محض افتراء وبهتان.

الصفحة 9