كتاب السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (اسم الجزء: 2)

من أنواع النصيحة قال ابن بطال في هذا الحديث أن النصيحة تسمى ديناً وإسلاماً وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول قال النووي والنصيحة فرض كفاية يجزى فيه من قام به ويسقط عن الباقين قال وهي لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي أذى فهو في سعة الله (حم م دن) عن تميم بن أوس (الداري (ت ن) عن أبي هريرة (حم) عن ابن عباس

• (أن الدين يسر) أي دين الإسلام ذو يسر أو سمى الدين يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم على عدم العود والندم (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) المشادة المغالبة قال العلقمي والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب قال ابن المنير في هذا الحديث علم من أعلام النبرة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع انتهى قال في الفتح وليس المراد منع طلب إلا كمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال والمبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح أي عن وقت الفضيلة أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد أنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمبالغة وخير دينكم أيسر وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند العجز عن استعمال الماء فيفضي به استعمال الماء إلى حصول الضرر وليس في الدين على هذه الرواية إلا النصب وفي رواية ولن يشاد الدين إلا غلبه بإضمار الفاعل للعلم به وحكى صاحب المطالع أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يُشاد مبني لما لم يسم فاعله وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب قال ابن حجر ويجمع بين كلا منهما بالنسبة إلى روايات المشارقة والمغاربة انتهى وقال الطيبي بناء المفاعلة في يشاد ليس للمغالبة بل للمبالغة نحو طارقت النعل وهو من جانب المكلف ويحتمل أن يكون للمغالبة على سبيل الاستعارة (فسددوا) أي ألزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط قال أهل اللغة السداد التوسط في العمل (وقاربوا) أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه (وأبشروا) أي بالثواب على العمل المستمر وإن قل والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل فإن العجز إذا لم يكن من صنعه لا يستلزم نقص أجره وأيهم المبشر به تعظيماً له وتفخيماً (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) أي استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة والغدوة بالفتح سير أول النهار وقال الجوهري ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس والروحة بالفتح السير بعد الزوال والدلجة بضم أوله

الصفحة 24