كتاب السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (اسم الجزء: 2)

الشراح ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة وقال المناوي في رواية أن إبليس بدل أن الشيطان وهو مبين للمراد أي ما في هذه الرواية يبين أن المراد بالشيطان إبليس (إذا سمع النداء بالصلاة) أي الأذان لها (أحال) بحاء مهملة أي ذهب هارباً (له ضراط) قال العلقمي جملة اسمية وقعت حالاً بدون واو لحصول الارتباط بالضمير انتهى ويؤيد هذا أنه روى بالواو أيضاً والضراط يحتمل الحقيقة لأنه جسم يتغذى يصح منه خروج الريح ويحتمل أنه عبارة عن شدة نفاره شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره ثم سماه ضراطاً تقبيحاً له (حتى لا يسمع صوته) أي صوت المؤذن بالتأذين وهذا ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها سماعه للصوت وقد وقع بيان الغاية في حديث مسلم الآتي بعد أربعة أحاديث وهو الروحاء وبينها وبين المدينة ستة وثلاثون ميلاً وقيل ثلاثون ميلاً وظاهر قوله حتى لا يسمع أنه يتعمد إخراج ذلك أما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث أو يصنع ذلك استخفافاً كما يفعله السفهاء ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها قال العلماء وإنما أدبر الشيطان عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد للمؤذن يوم القيامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة (فإذا سكت) أي فرغ من الأذان (رجع فوسوس) أي للمصلى والوسوسة كلام خفي يلقيه في القلب (فإذا سمع الإقامة) للصلاة (ذهب حتى لا يسمع صوته) بالإقامة أي فر وله ضراط وتركه اكتفاء بما قبله (فإذا سكت رجع فوسوس) أي إلى المصلى وفي الحديث فضل الإقامة والأذان وحقارة الشيطان لكن هربه إنما يكون من أذان شرعي مجتمع الشروط (م) عن أبي هريرة

• (أن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السماء فيقول الله فيقول من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله) في رواية البخاري بدله من خلق ربك (فإذا وجد أحدكم ذلك) أي في نفسه (فليقل) أي راداً على الشيطان (آمنت بالله ورسوله) قال العلقمي زاد أحمد فإن ذلك يذهب عنه ولأبي داود والنسائي فليقر أقل هو الله أحد إلى آخر السورة ثم يتفل عن يساره ثم ليستعذ وفي رواية للبخاري فليستعذ بالله ولينته أي عن الاسترسال معه في ذلك ويلجأ إلى الله في دفعه ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها وهذا بخلاف ما لو تعرض إليه أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان لأن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالأمر إلى الحيرة نعوذ بالله من ذلك على أن قوله من خلق ربك تهافت ينقض آخره أوله لأن الخالق مستحيل

الصفحة 41