كتاب السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (اسم الجزء: 2)

الكلمتين كان يكتب مثلاً أجل هذا الجنين كذا ورزقه كذا وعمله كذا وهو شقي باعتبار ما يختم له وسعيد باعتبار ما يختم له كما دل عليه بقية الخبر قال النووي المراد بكتب جميع ما ذكر من الرزق والأجل والسعادة والشقاوة والعمل والذكورة والأنوثة إن ذلك يظهر للملك ويأمره بإنفاذه وكتابته وإلا فقضاء الله السابق على ذلك وعلمه وإرادته وكل ذلك موجود في الأزل (ثم ينفخ فيه الروح) أي بعد تمام صورته قال العلقمي ووقع في رواية مسلم ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات وظاهره أن النفخ قبل الكتابة ويجمع بأن الرواية الأولى صريحة في تأخير النفخ للتعبير بقوله ثم والرواية الأولى محتملة فترد للصريحة لأن الواو لا ترتب فيجوز أن تكون معطوفة على الجملة التي تليها وأن تكون معطوفة على جملة الكلام المتقدمة أي يجمع خلقه في بطن أمه في هذه الأطوار ويؤمر الملك بالكتب وتوسط قوله ينفخ فيه الروح بين الجمل فيكون من ترتيب الخبر على الخبر لا من ترتيب الأفعال المخبر عنها ومعنى إسناد النفخ للملك أن يفعله بأمر الله تعالى والنفخ في الأصل إخراج ريح من جوف النافخ ليدخل في المنفوخ فيه والمراد بإسناده إلى الله تعالى أن يقول له كن فيكون وقال ابن العربي الحكمة في كون الملك يكتب ذلك كونه قابلاً للنسخ والمحو بخلاف ما كتبه الله فإنه لا يتغير (فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة) يعني من الطاعات الاعتقادية والقولية والفعلية (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) تصوير لغاية قربه من الجنة قال ابن حجر في شرح الأربعين هو بالرفع (فيسبق عليه الكتاب) أي يغلب عليه كتاب الشقاوة (فيعمل بعمل أهل النار) قال العلقمي الباء زائدة والأصل يعمل عمل أهل النار وظاهره أنه يعمل ذلك حقيقة ويختم له بعكسه وقال المناوي بيان لأن الخاتمة إنما هي على وفق الكتابة ولا عبرة بظواهر الأعمال قبلها بالنسبة لحقيقة الأمر وأن اعتد بها من حيث كونها علامة (وأن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) يعني شيء قليل جداً (فيسبق عليه الكتاب) أي كتاب السعادة (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) أي فمن سبقت له السعادة صرف قلبه إلى عمل خير يختم له به وعكسه بعكسه وفي الحديث أن الذي سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل وأن الذي يجوز عليه التغيير والتبديل ما يبدو للناس من عمل العامل ولا يبعدان يتعلق ذلك بما في علم الحفظة والموكلين بالآدمي فيقع فيه المحو والإثبات كالزيادة في العمر والنقص منه وأما ما في علم الله تعالى فلا يتغير ولا يتبدل وفيه أيضاً التنبيه على أن الله تعالى قادر على البعث بعد الموت لأن من قدر على خلق الشخص من ماء مهين ثم نقله إلى العلقة ثم المضغة ثم نفخ فيه الروح قادر على أن يخلقه دفعة واحدة ولكن اقتضت الحكمة الإلهية نقله في الأطوار رفقاً بالأم لأنها لم تكن معتادة فكانت المشقة تعظم عليها فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل ومرن تأمل أصل تخلقه من نطفة وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار إنساناً جميل الصوره مفضلاً

الصفحة 72