كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

أي: بالحدّ للقذف {والآخرة} أي: بالنار لحق الله تعالى إن لم يتب {والله} أي: المستجمع لصفات الجلال والجمال {يعلم} أي: له العلم التام فهو يعلم مقادير الأشياء ما ظهر منها وما بطن وما الحكمة في إظهاره أو ستره أو غير ذلك من جميع الأمور {وأنتم لا تعلمون} أي: ليس لكم علم من أنفسكم فاعملوا بما علمكم فلا تتجاوزوه ولا تضلوا، وقيل: معناه يعلم ما في قلب من يحب أن تشيع الفاحشة فيجازيه عليها وأنتم لا تعلمون ذلك، وقيل: والله يعلم انتفاء الفاحشة عنهم وأنتم أيها العصبة لا تعلمون وجودها فيهم، وقوله تعالى:

{ولولا فضل الله عليكم ورحمته} أي: بكم تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة على عظم الجريمة، ولذا عطف عليه {وأن الله} أي: الذي له القدرة التامة، فسبقت رحمته غضبه {رؤوف رحيم} على حصول فضله ورحمته، وجواب لولا محذوف كأنه قال: لعذبكم واستأصلكم لكنه رؤوف رحيم؛ قال ابن عباس: الخطاب لحسان ومسطح وحمنة قال الرازي: ويجوز أن يكون الخطاب عاماً، وقيل: الجواب في قوله تعالى: {ما زكى منكم من أحد} ، وقرأ: رؤوف؛ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص بمدّ الهمزة والباقون بقصرها.
{يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات} أي: طرق {الشيطان} بتزيينه أي: لا تسلكوا مسالكه في إشاعة الفاحشة ولا في غيرها {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه} أي: المتبع {يأمر بالفحشاء} أي: بالقبائح من الأفعال {والمنكر} أي: ما أنكره الشرع وهو كل ما يكرهه الله تعالى، وقرأ قنبل وابن عامر وحفص والكسائي بضم الطاء والباقون بالسكون {ولولا فضل الله} أي: الذي لا إله غيره {عليكم ورحمته} أي: بكم بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وتشريع الحدود المكفرة لها {ما زكى} أي: ما طهر من ذنبها {منكم من أحد أبداً} آخر الدهر، والآية عند بعض المفسرين على العموم قالوا: أخبر الله أنه لولا فضل الله ورحمته ما صلح منكم من أحد، وقال ابن عباس: الخطاب للذين خاضوا في الإفك ومعناه ما طهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل بالتوبة منه {ولكن الله} أي: العليم بأحوال خلقه {يزكي} أي: يطهر {من يشاء} من الذنوب بقبول التوبة منها {والله سميع} أي: لأقوالهم {عليم} أي: بما في قلوبهم.
{ولا يأتل} أي: يحلف افتعال من الآلية وهو القسم {أولو الفضل} أي: أصحاب الغنى {منكم والسعة أن} أي: أن لا {يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا} عنهم في ذلك {ألا تحبون أن يغفر الله لكم} أي: على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم، قال المفسرون: نزلت هذه الآية في أبي بكر رضي الله عنه حيث حلف أن لا ينفق على مسطح وهو ابن خالة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وكان يتيماً في حجره، وكان ينفق عليه فلما فرط منه ما فرط قال لهم أبو بكر: قوموا لستم مني ولست منكم وكفى بذلك داعياً في المنع، فإن الإنسان إذا أحسن إلى قريبه وكافأه بالإساءة كان أشد عليه مما إذا صدرت الإساءة من أجنبي؛ قال الشاعر:
*وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
... على المرء من وضع الحسام المهند
فقال له مسطح: نشدتك الله والإسلام والقرابة لا تحوجنا إلى أحد فما كان لنا أول الأمر من

الصفحة 610