كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

أنه كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير القرآن حتى سئل عن هذه الآيات فقال: من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة، وهذا منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك ولقد برّأ الله تعالى أربعة بأربعة برّأ يوسف عليه السلام بلسان الشاهد فقال تعالى: {وشهد شاهد من أهلها} (يوسف، 26)

الآية، وبرّأ موسى عليه الصلاة والسلام من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه، وبرّأ مريم بإنطاق ولدها عليه الصلاة والسلام حين نادى من تحتها {إني عبد الله} (مريم، 30)
الآية، وبرّأ عائشة رضي الله تعالى عنها بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظر كيف بينها وبين تبرئة أولئك وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنبيه على أنافة محل سيد ولد آدم وخيرة الأولين والآخرين وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقق عظمة شأنه وتقدم قدمه وإحرازه لقصب السبق دون كل سابق فليتلق ذلك من آيات الإفك وليتأمل كيف غضب الله تعالى له في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه، وقال قوم: ليس لمن قذف عائشة وبقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم توبة؛ لأن الله تعالى لم يذكر في قذفهن توبة، وما ذكر من أول السورة فذاك في قذف غيرهن.
فإن قيل: إن كانت عائشة هي المرادة، فكيف قيل المحصنات؟ أجيب: بأنها لما كانت أم المؤمنين جمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بالإحصان والغفلة والإيمان ولذا قيل: إن هذا حكم كل قاذف ما لم يتب.
فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: {هو الحق المبين} ؟ أجيب: بأن معناه ذو الحق المبين أي: العادل الظاهر العدل الذي لا ظلم في حكمه والمحق الذي لا يوصف بباطل ومن هذه صفته كان له أن يجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته فحق مثله أن يتقى ويجتنب محارمه، وقرأ: يشهد؛ حمزة والكسائي بالياء التحتية والباقون بالفوقية، ويوم ناصبه الاستقرار الذي تعلق به لهم، وقرأ أبو عمرو: يوفيهم الله، بكسر الهاء والميم، وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم، والباقون بكسر الهاء وضم الميم هذا كله في الوصل، وأما الوقف فالجميع بكسر الهاء وسكون الميم.
{الخبيثات} أي: من النساء والكلمات {للخبيثين} من الناس {والخبيثون} أي: من الناس {للخبيثات} أي: مما ذكر {والطيبات} أي: مما ذكر {للطيبين} أي: من الناس {والطيبون} أي: منهم {للطيبات} أي: مما ذكر فاللائق بالخبيث مثله وبالطيب مثله {أولئك} أي: الطيبون والطيبات من النساء، ومنهم صفوان وعائشة {مبرؤون مما يقولون} أي: الخبيثون والخبيثات من النساء، وقيل: عائشة وصفوان ذكرهما بلفظ الجمع كقوله تعالى: {فإن كان له أخوة} أي: إخوان {لهم} أي: الطيبين والطيبات من النساء على الأول، ولصفوان وعائشة على الثاني {مغفرة} أي: عفو عن الذنوب {ورزق كريم} هو الجنة، وروي أنَّ عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها منها أن جبريل عليه السلام أتى بصورتها في سرقة من حرير وقال للنبي صلى الله عليه وسلم هذه زوجتك، وروي أنه أتى بصورتها في راحته، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها، ومنها أنه قبض صلى الله عليه وسلم ورأسه الشريف في حجرها، ومنها أنه دفن في بيتها، ومنها أنه كان ينزل

الصفحة 612