كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

عليه الوحي وهو معها في لحاف، ومنها أن براءتها نزلت من السماء، ومنها أنها ابنة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه، وخلقت طيبة، ووعدت بمغفرة ورزق كريم، وكان مسروق رحمه الله تعالى إذا روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرّأة من السماء.
الحكم السادس: ما ذكره بقوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم} أي: التي تسكنونها، فإن المؤجر والمعير لا يدخلان إلا بإذن، وقرأ ورش وأبو عمر وحفص بضم الباء الموحدة، والباقون بكسرها، وفي قوله تعالى: {حتى تستأنسوا} وجهان: أحدهما: أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش؛ لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له فقد استأنس، والمعنى حتى يؤذن لكم كقوله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} (الأحزاب، 53) ، وهذا من باب الكناية والإرداف؛ لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن، فوضع موضع الإذن، والثاني: أن يكون من الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً، والمعنى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا، ومنه قولهم: استأنس هل ترى أحداً، واستأنست فلم أرَ أحداً أي: تعرفت واستعلمت، وقال الخليل بن أحمد: الاستئناس: الاستبصار، من قولهم: آنست ناراً؛ أي: أبصرت، وقيل: هو أن يتكلم بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة ويتنحنح يؤذن أهل البيت، وعن أبي أيوب الأنصاري قال: يا رسول الله: ما الاستئناس؟ قال: «أن يتكلم الرجل» {وتسلموا على أهلها} كأن يقول الواحد: السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات، فإن أذن له دخل، وإلا رجع قال قتادة: المرة الأولى للتسميع، والثانية: ليتهيأ، والثالثة: إن شاء أذن، وإن شاء رد، وهذا من محاسن الآداب، فإن أول مرة ربما منعهم بعض الأشتغال من الإذن، وفي الثانية ربما كان هناك مانع يقتضي المنع، فإن لم يجب في الثالثة يستدل بعدم الإذن على مانع، ولهذا كان الأولى في الاستئذان ثلاثاً أن لا تكون متصلة، بل يكون بين كل واحدة والأخرى وقت ما.
ولا بد من إذن صريح إذا كان الداخل أجنبياً أو قريباً غير محرم سواء كان الباب مغلقاً أم لا، وإن كان محرماً فإن كان ساكناً مع صاحبه فيه لم يلزمه الاستئذان، ولكن عليه أن يشعره بدخوله بتنحنح أو شدة وطء أو نحو ذلك ليستتر العريان فإن لم يكن ساكناً فإن كان الباب مغلقاً لم يدخل إلا بإذن، وإن كان مفتوحاً فوجهان، والأوجه الاستئذان، وعن أبي موسى الأشعري أنه أتى باب عمر، فقال: السلام عليكم أأدخل؟ قالها ثلاثاً، ثم رجع وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الاستئذان ثلاثاً» ، و «استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعلميه فإنه لا يحسن أن يستأذن، قولي له يقول: السلام عليكم أدخل، فسمع الرجل فقال: أدخل» .
وكان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته: حييتم صباحاً وحييتم مساءً، ثم يدخل، فربما أصاب صاحب البيت مع امرأته في لحاف واحد، فصدّ الله عز وجل عن ذلك، وعلم

الصفحة 613