كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

بغير استئذان منكم، وذلك كبيوت الخانات والربط المسبلة {فيها متاع} أي: منفعة {لكم} والمنفعة فيها بالنزول وأنواع المتاع والاتقاء من الحر والبرد ونحو ذلك، وقال ابن زيد: هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق يدخلها للبيع والشراء وهو المنفعة، وقال إبراهيم النخعي: ليس على حوانيت الأسواق إذن، وكان ابن سيرين رحمه الله تعالى إذا جاء إلى حانوت السوقي يقول: السلام عليكم أدخل ثم يلج، وقال عطاء: هي البيوت الخربة والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من البول والغائط، وذلك استثناء من الحكم السابق لشموله البيوت المسكونة وغيرها {والله يعلم ما تبدون} أي: تظهرون {وما تكتمون} أي: تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره، وفي ذلك وعيد من الله تعالى لمن دخل لفساد أو تطلع على عورات وسيأتي أنهم إذا دخلوا بيوتهم سلموا على أنفسهم.
والحكم السابع حكم النظر المذكور في قوله تعالى:
{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} أي: عما لا يحل لهم نظره {ويحفظوا فروجهم} أي: عما لا يحل لهم فعله بها.
تنبيه: من للتبعيض، والمراد غض البصر عما لا يحل كما مرَّ والاقتصار به على ما يحل، وجوّز الأخفش أن تكون مزيدة وأباه سيبويه.
فإن قيل: لم دخلت من في غض البصر دون حفظ الفرج؟ أجيب: بأن في ذلك دلالة على أن المراد أن أمر النظر أوسع بدليل جواز النظر للمحارم فيما عدا ما بين السرة والركبة، وأما نظر الفروج فالأمر فيه ضيق وكفاك فرقاً أن أبيح النظر إلا ما استثني منه، وحظر الجماع إلا ما استثني منه، ويجوز أن يراد مع حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحل حفظها عن الإبداء، وعن ابن زيد: كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلا هذا فإنه أراد به الاستتار.
فإن قيل: لم قدم غض البصر على حفظ الفرج؟ أجيب: بأن البلوى فيه أشد. وروي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: «اصرف بصرك» . وعن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية» أخرجه أبو داود والترمذي، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد» {ذلك} أي: غض البصر وحفظ الفرج {أزكى} أي: خير {لهم} لما فيه من البعد عن الريبة، سئل الشيخ الشبلي رحمه الله تعالى عن قوله تعالى: {يغضوا من أبصارهم} ، فقال: أبصار الرؤوس عن المحرمات وأبصار القلوب عن المحرمات، ثم أخبر سبحانه وتعالى بأنه خبير بأحوالهم وأفعالهم بقوله تعالى: {إن الله} أي: الملك الذي لا يخفى عليه شيء {خبير بما يصنعون} بسائر حواسهم وجوارحهم، فعليهم إذا عرفوا ذلك أن يكونوا منه على تقوى وحذر في كل حركة وسكون.
{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} عما لا يحل لهن نظره {ويحفظن فروجهن} عما لا يحل لهن فعله بها، روي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة بنت الحرث إذ أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه وذلك بعدما أمرنا بالحجاب فقال صلى الله عليه وسلم احتجبا

الصفحة 615