كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

فقط أو الأنثيين فقط فكالفحل، وعن أبي حنيفة لا يحل إمساك الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم. قال الزمخشري: فإن قلت: روي: «أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم خصي فقبله» قلت: لا يقبل فيما تعم به البلوى إلا حديث مكشوف وإن صح فلعله قبله ليعتقه أو لسبب من الأسباب، انتهى. وعندنا يجوز جميع ذلك إذ لا مانع منه، وقيل: المراد بأولي الإربة هو المخنث، وقرأ ابن عامر وشعبة بنصب الراء على الاستثناء والحال، والباقون بكسرها على الوصفية، وقوله تعالى: {أو الطفل} بمعنى الأطفال وضع الواحد موضع الجمع لأنه يفيد الجنس ويبينه ما بعده، وهو قوله تعالى: {الذين لم يظهروا} أي: لم يطلعوا {على عورات النساء} للجماع فيجوز لهن أن يبدين لهم ما عدا ما بين السرة والركبة؛ قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى: إذا لم يبلغ الطفل حداً يحكي ما يراه فكالعدم أو بلغه من غير شهوة فكالمحرم، أو بشهوة فكالبالغ {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} وذلك أن المرأة كانت تضرب برجلها الأرض ليقعقع خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال، وقيل: كانت تضرب بإحدى رجليها على الأخرى ليعلم أنها ذات خلخالين فنهين عن ذلك لأن ذلك يورث ميلاً في الرجال، وإذا وقع النهي عن إظهار صوت
الحلي فمواضع الحلي أبلغ في النهي وأوامر الله ونواهيه في كل باب لا يكاد العبد الضعيف يقدر على مراعاتها، وإن ضبط نفسه واجتهد ولا يخلو من تقصير يقع منه فلذلك قال تعالى: {وتوبوا إلى الله} أي: الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات {جميعاً أيها المؤمنون} أي: مما وقع لكم من النظر الممنوع منه ومن غيره.

وشروط التوبة أن يقلع الشخص عن الذنب ويندم على ما مضى منه ويعزم على ألا يعود إليه ويرد الحقوق لأهلها، وقرأ ابن عامر في الوصل: أيها المؤمنون بضم الهاء لأنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها والباقون بفتحها، وأما الوقف فوقف أبو عمرو والكسائي بالألف بعد الهاء، ووقف الباقون على الهاء ساكنة {لعلكم تفلحون} أي: تنجون من ذلك بقبول التوبة منه، وفي الآية تغليب الذكور على الإناث، وعن ابن عباس توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة.
فإن قيل: على هذا قد صحت التوبة بالإسلام لأنه يجب ما قبله فما معنى هذه التوبة؟ أجيب: بأن بعض العلماء قال: إن من أذنب ذنباً ثم تاب لزمه كلما ذكره أن يجدد التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه على عدم العودة إلى أن يلقى الله تعالى، والذي عليه الأكثر أنه لا يلزمه تجديدها.
وعن أبي بردة أنه سمع الأغر يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى ربي كل يوم مائة مرة» ، وعن ابن عمر قال: إنا كنا لنعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة» ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه» ، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يسقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة» .
ولما نهى عما سيفضي إلى السفاح المخل بالنسب المقتضي للألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة المؤدية

الصفحة 618