كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

أن يمنع من النكاح والمعنى لا يمنعهن فقر الخاطب والمخطوبة من المناكحة، فإن في فضل الله غنية عن المال فإنه غادٍ ورائح، أو وعد من الله تعالى بالغنى لقوله صلى الله عليه وسلم «اطلبوا الغنى في هذه الآية» .
لكن ينبغي أن تكون شريطة الله تعالى غير منسية في هذا الوعد ونظائره، وهي مشيئته ولا يشاء الحكيم إلا ما اقتضته الحكمة، ونحوه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق، 3) ، وقد جاءت الشريطة منصوصة في قوله تعالى: {وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم} (التوبة، 28) ، ومن لم ينس هذه الشريطة لم ينتصب معترضاً بعزب كان غنياً فأفقره النكاح.
وبفاسق تاب واتقى الله وكان له شيء ففني وأصبح مسكيناً، وورد: «التمسوا الرزق بالنكاح» ، وشكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل الحاجة فقال: «عليك بالباءة» أي: النكاح، وعن عمر رضي الله عنه: عجبت لمن يبتغي الغنى بغير النكاح، والله تعالى يقول: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} ، وحكي عنه أنه قال: عجبت لمن لم يطلب الغنى بالباءة، وقال طلحة بن مطرف: تزوجوا فإنه أوسع لكم في رزقكم وأوسع في أخلاقكم ويزيد الله في ثروتكم؛ قال الزمخشري: ولقد كان عندنا رجل رازح الحال ثم رأيته بعد سنين وقد انتعشت حاله وحسنت، فسألته فقال: كنت في أول أمري على ما علمت وذلك قبل أن أرزق ولداً، فلما رزقت بكر ولدي تراخيت عن الفقر فلما ولد لي الثاني ازددت خيراً فلما تتاموا ثلاثة صبَّ الله علي الخير، فأصبحت إلى ما ترى، انتهى. {والله} أي: الذي له الملك كله {واسع} أي: ذو سعة لخلقه لا تنفد نعمه إذ لا تنتهي قدرته {عليم} بهم يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. ولما ذكر تعالى تزويج الحرائر والإماء ذكر حال من يعجز عن ذلك بقوله:
{وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً} أي: وليجهد في طلب العفة عن الزنا والحرام الذين لا يجدون ما ينكحون به من مهر ونفقة يوم التمكين وكسوة فصله، وقيل: لا يجدون ما ينكحون {حتى يغنيهم الله} أي: يوسع عليهم {من فضله} فينكحون، ولما ذكر تعالى نكاح الصالحين من العبيد والإماء حث على كتابتهم بالحكم التاسع وهو الأمر بالكتابة المذكور في قوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب} أي: يطلبون الكاتبة {مما ملكت أيمانكم} أي: من العبيد والإماء {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} أي: أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة.
وسبب نزول هذه الآية ما روي أن غلاماً لحويطب بن عبد العزى يقال له: الصبيح، سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فأنزل الله هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين فأداها، وقتل يوم حنين في الحرب وأركانها أربعة رقيق وصيغة وعوض وسيد وشرط في السيد كونه مختاراً أهل تبرع وولاء وكتابة المريض مرض الموت محسوبة من الثلث، فإن خلف مثلي قيمته صحت الكتابة في كله أو مثل قيمته صحت في ثلثيه أو لم يخلف غيره صحت في ثلثه، وشرط في الرقيق اختيار وعدم صبا وجنون وأن لا يتعلق به حق آدمي لازم، وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالكتابة كأن يقول السيد لمملوكه: كاتبتك على ألفين في شهرين كل شهر ألف، فإذا أديتهما فأنت حر، فيقول العبد: قبلت ذلك، فلا يصح عقدها إلا مؤجلاً منجماً بنجمين فأكثر، كما جرى عليه الصحابة فمن بعدهم، فلا بدّ من بيان قدرالعوض وصفته وعدد النجوم وقسط كل نجم فلا تجوز عند الشافعي

الصفحة 620