كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

وفي الحديث: «لا خير في شجرة مقنأة ولا في نبات في مقنأة، ولا خير فيهما في مضحى» قال ابن حجر العسقلاني: لم أجده، وقيل: معناه أنها معتدلة ليست في شرق يصيبها الحر، ولا في غرب يضرها البرد، وقيل: معناه هي شامية لأن الشام وسط الأرض لا شرقي ولا غربي، وقيل: ليست هذه الشجرة من أشجار الدنيا لأنها لو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية، وإنما هو مثل ضربه الله تعالى لنوره {يكاد زيتها} أي: من صفائه {يضيء ولو لم تمسسه نار} أي: يكاد يتلألأ ويضيء بنفسه من غير نار {نور على نور} أي: نور المصباح على نور الزجاجة.
تنبيه: اختلف أهل العلم في معنى هذا التمثيل فقال بعضهم: وقع التمثيل لنور محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لكعب الأحبار: أخبرني عن قوله تعالى: {مثل نوره كمشكاة} قال كعب: هذا مثل ضربه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح فيه النبوة تتوقد من شجرة مباركة هي شجرة النبوة يكاد نور محمد صلى الله عليه وسلم وأمره يتبين للناس، ولو لم يتكلم أنه نبي كما يكاد ذلك الزيت يضيء، ولو لم تمسسه نار.
وروى سالم عن عمر في هذه الآية قال: المشكاة جوف النبي صلى الله عليه وسلم والزجاجة قلبه، والمصباح النور الذي جعله الله تعالى فيه، لا شرقية ولا غربية لا يهودي ولا نصراني، توقد من شجرة مباركة إبراهيم، نور على نور نور قلب إبراهيم ونور قلب محمد صلى الله عليهما وسلم، وقال محمد بن كعب القرظي: المشكاة إبراهيم والزجاجة إسماعيل عليهما السلام، والمصباح محمد صلى الله عليه وسلم سماه الله تعالى مصباحاً كما سماه سراجاً، فقال تعالى: {وسراجاً منيراً} (الأحزاب، 46)
توقد من شجرة مباركة، وهي إبراهيم عليه السلام سماه مباركاً؛ لأن أكثر الأنبياء من صلبه، لا شرقية ولا غربية يعني إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار تكاد محاسن محمد صلى الله عليه وسلم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه، نور على نور نبي من نسل نبي نور محمد على نور إبراهيم عليهما السلام، وقال بعضهم: وقع هذا التمثيل لنور قلب المؤمن، روى أبو العالية عن أبيّ بن كعب قال: هذا مثل المؤمن فالمشكاة نفسه والزجاجة صدره، والمصباح ما جعل الله من الإيمان والقرآن في قلبه توقد من شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده، فمثله كمثل شجرة التف بها الشجر فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس لا إذا طلعت ولا إذا غربت، فكذلك المؤمن قد احترس من أن يصيبه شيء من الفتن، فهو بين أربع خلال؛ إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، يكاد زيتها يضيء؛ أي: يكاد قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يبين له لموافقته إياه، نور على نور؛ قال أبيّ: أي: فهو يتقلب في خمسة أنوار قوله نور وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة؛ قال ابن عباس: هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءاً على ضوء كذلك يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاء العلم ازداد هدى على هدى، ونوراً على نور، وقال الكلبي: قوله تعالى: نور على نور يعني إيمان المؤمن وعمله، وقال السدي: نور الإيمان ونور القرآن، وقال الحسن وابن زيد: هذا مثل للقرآن، فالمصباح هو القرآن فكما يستضاء بالمصباح يهتدى

الصفحة 624