كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

بالقرآن، والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي، يكاد زيتها يضيء يعني: تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم يقرأ، نور على نور يعني القرآن نور من الله لخلقه
مع ما قام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن، فازدادوا بذلك نوراً على نور {يهدي الله لنوره} قال ابن عباس: دين الإسلام وقيل: القرآن {من يشاء} فإن الأسباب بدون مشيئته لاغية، وقيل: يوفق الله لإصابة الحق من نظر وتدبر بعين عقله والإنصاف من نفسه ولم يذهب عن الجادة الموصلة إليه يميناً وشمالاً، ومن لم يتدبر فهو كالأعمى، سواء عليه جنح الليل الدامس وضحوة النهار الشامس {ويضرب} أي: يبين {الله الأمثال للناس} تقريباً للأفهام وتسهيلاً للأكدار {والله بكل شيء عليم} معقولاً كان أو محسوساً، ظاهراً كان أو خفياً، وفيه وعيد لمن تدبرها ولم يكترث بها، وقوله تعالى:

{في بيوت} يتعلق بما قبله أي: كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل: مثل نوره، كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت، أو بما بعده وهو يسبح أي: يسبح رجال في بيوت، وفي قوله: فيها تكرير لقوله: في بيوت كقوله: زيد في الدار جالس فيها، أو بمحذوف كقوله {تعالى في تسع آيات} (النمل، 12)
أي: سبحوا في بيوت، والبيوت هي المساجد؛ قال سعيد بن جبير: عن ابن عباس قال: المساجد بيوت الله في الأرض، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، وقيل: المراد بالبيوت المساجد الثلاثة، وقيل: المراد أربعة مساجد لم يبنها إلا نبيّ؛ الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فجعلاها قبلة، وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام، ومسجد المدينة، ومسجد قباء بناهما النبي صلى الله عليه وسلم وأتى فيها بجمع الكثرة دون جمع القلة للتعظيم {أذن الله أن ترفع} قال مجاهد: تبنى، نظيره قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} ، وقال الحسن: تعظم أي: فلا يذكر فيها الفحش من القول وتطهر من الأنجاس والأقذار، وقوله تعالى: {ويذكر فيها اسمه} عام فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله، والمباحثة في أحكامه، وقال ابن عباس: يتلى فيها كتابه {يسبح} أي: يصلى {له فيها بالغدو والآصال} أي: بالغداة والعشي، قال أهل التفسير: أراد به الصلوات المفروضة، فالتي تؤدى بالغداةصلاة الفجر، والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين؛ لأن اسم الأصيل يقع على هذا الوقت، وقيل: أراد به الصبح والعصر؛ قال صلى الله عليه وسلم «من صلى البردين دخل الجنة» ؛ أراد صلاة الصبح وصلاة العصر، وقال ابن عباس: التسبيح بالغدو صلاة الضحى، وروى «من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى، لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» ، وقرأ ابن عامر وشعبة بفتح

الباء الموحدة والباقون بكسرها.
{رجال لا تلهيهم تجارة} أي: معاملة رابحة، وقيل: المراد بالتجارة الشراء لقوله تعالى: {ولا بيع عن ذكر الله} إطلاقاً لاسم الجنس على النوع كما تقول: رزق فلان تجارة صالحة إذا اتجه له بيع صالح أو شراء، وعلى الأول ذكر مبالغة للتعظيم والتعميم بعد التخصيص، وقيل: التجارة لأهل الجلب تقول تجر فلان في كذا أي: جلب.
تنبيه: قوله تعالى: {رجال} فاعل يسبح بكسر الباء وعلى فتحها نائب الفاعل

الصفحة 625