كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

هجموا عليكم، ثم علل الإباحة في غيرها مخرجاً لغيرهم بقوله تعالى: {طوّافون عليكم} أي: لعمل ما تحتاجون في الخدمةكما أنتم طوافون عليهم لعمل ما يصلحهم ويصلحكم في الاستخدام {بعضكم} طوّاف {على بعض} لعمل يعجز عنه الآخر أو يشق عليه فلو عم الأمر بالاستئذان لأدى إلى الحرج.
فإن قيل: بما رفع {بعضكم على بعض} ؟ أجيب: بأنه رفع بالابتداء وخبره على بعض أي: طوّاف على بعض، وحذف؛ لأنّ طوافون يدل عليه، ويجوز أن يرتفع بيطوف مضمراً لتلك الدلالة {كذلك} أي: كما بين ما ذكر {يبين الله} أي: بما له من إحاطة العلم والقدرة {لكم} أيتها الأمة {الآيات} في الأحكام وغيرها بعلمه وحكمته {والله} أي: الذي له الإحاطة العامةبكل شيء {عليم} بكل شيء {حكيم} فيما يريده، فلا يقدر أحد على نقضه، وختم الآية بهذا الوصف يدل على أنها محكمة لم تنسخ، واختلف في ذلك فقال الزمخشري: عن ابن عباس أنه قال: آية لا ىؤمن بها أكثر الناس آية الأذن، وإني لآمر جاريتي أي: زوجتي أن تستأذن علي، وسأله عطاء: أستأذن على أختي؟ قال: نعم وإن كانت في حجرك تمونها، وتلا هذه الآية، وعنه ثلاث آيات جحدهنّ الناس؛ الإذن كله، وقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فقال الناس: أعظمكم بيتاً، وقوله: {وإذا حضر القسمة} ، وعن ابن مسعود: عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم، وعن الشعبي: ليست منسوخة، فقيل له: إن الناس لا يعملون بها، فقال: الله المستعان، وعن سعيد بن جبير: إن الناس يقولون: هي منسوخة والله ما هي منسوخة، ولكن الناس تهاونوا بها، وقال قوم: هي منسوخة.l
روى البغوي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن للقوم ستر، ولا حجاب فكان الخدم والولائد يدخلون، فربما يرون منهم ما لا يحبون، فأمروا بالاستئذان، وقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور، فلعل الرواية اختلفت عن ابن عباس، ولما بيّن تعالى حكم الصبيان والأرقاء الذين هم أطوع للأمر، وأقبل لكل خبر أتبعه حكم البالغين من الأحرار بقوله تعالى:
{وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} أي: إذا بلغ أطفالكم الأحرار بلوغ السن الذي يكون فيه إنزال المني سواء رأى منياً أم لا، واختلف في ذلك السن، فقال عامة العلماء: هو خمس عشرة سنة، أي: قمرية تحديدية لا فرق في ذلك بين الذكر وغيره، وقال أبو حنيفة: هو ثماني عشرة سنة في الغلام، وسبع عشرة سنة في الجارية، وعن علي رضي الله عنه: أنه تعتبر القامة وتقدر بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله:
*ما زال مذ عقدت يداه إزاره
... وسما فأدرك خمسة الأشبار
واعتبر غيره الإنبات أي: للعانة، وعن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه سأل عن غلام له فقال: هل اخضر إزاره، أي: نبت شعر عانته؟ فأسند الاخضرار إلى الإزار على المجاز، ولأنه مما اشتمل عليه الإزار، ونبات العانة الخشن عندنا علامة على بلوغ ولد الكافر فقط أما إذا رأى المني في وقت إمكانه وهو استكمال تسع سنين قمرية فإنا نحكم ببلوغه سواء كان ذكراً أم أنثى مسلماً أم كافراً، وأما الخنثى فلا بدّ أن يمني من فرجيه أو يحيض بالفرج، ويمني من الذكر {فليستأذنوا} أي: على غيرهم في جميع الأوقات {كما استأذن الذين من قبلهم} أي: من الأحرار الكبار الذين

الصفحة 639