كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 2)

واجب، وقيل: تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض.

تنبيه: {جميعاً} حال من فاعل تأكلوا، وأشتاتاً عطف عليه وهو جمع شتت، وشتى جمع شتيت وشتان تثنية شت، روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نأكل ولا نشبع، قال: «فلعلكم تأكلون متفرقين اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه» ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا جميعاً ولا تفرقوا واذكروا اسم الله فإن البركة مع الجماعة» .
ولما بين تعالى مواطن الأكل وكيفيته ذكر الحال التي عليها الداخل إلى تلك المواطن أو غيرها بقوله تعالى: {فإذا دخلتم} أي: بسبب ذلك أو غيره {بيوتاً} أي: من هذه البيوت {فسلموا على أنفسكم} أي: على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة، جعل أنفس المؤمنين كالنفس الواحدة كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء، 29)
وقال ابن عباس: إذا لم يكن في البيت أحد فليقل: السلام علينا من ربنا، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق بالسلام ممن سلمت عليهم، وإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، حدثنا أن الملائكة ترد عليه {تحية من عند الله} أي: ثابتة بأمره مشروعة من لدنه {مباركة} أي: لأنه يرجى بها زيادة الخير والثواب {طيبة} أي: تطيب بها نفس المستمع، والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند الله، ووصفها بالبركة والطيب؛ لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله تعالى زيادة الخير وطيب الرزق، وعن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وقيل: تسع سنين، فما قال لي لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا قال لي لشيء تركته: لم تركته؟ وكنت واقفاً على رأسه أصب الماء على يديه، فرفع رأسه فقال: «ألا أعلمك ثلاث خصال تنتفع بها» قلت: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: «متى لقيت من أمتي أحداً فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك، وصلِّ صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين» .
تنبيه: تحية منصوب على المصدر من معنى فسلموا، فهو من باب قعدت جلوساً فكأنه قال: فحيوا تحية، وقال القفال: وإن كان في البيت أهل الذمة، فليقل: السلام على من اتبع الهدى، وكرر قوله تعالى: {كذلك يبين الله} أي: الذي أحاط علمه بكل شيء {لكم الآيات} ثالثاً لمزيد التأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به، وفصل الأولين بما هو المقتضي لذلك وهذا بما هو المقصود منه، فقال تعالى: {لعلكم تعقلون} أي: عن الله أمره ونهيه وأدبه، ولما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل موطن تجب الإقامة فيه ويهجر ما عداه من الأوطان قال تعالى:
{إنما المؤمنون} أي: الكاملون في الإيمان {الذين آمنوا بالله} أي: الملك الأعلى {ورسوله} أي: ظاهراً وباطناً {وإذا كانوا معه} أي: الرسول صلى الله عليه وسلم {على أمر جامع} أي: يجمعهم من حرب حضرت أو صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل، ووصف الأمر بالجمع للمبالغة أو من الإسناد المجازي؛ لأنه لما كان سبباً في جمعهم نسب الفعل إليه مجازاً {لم يذهبوا} أي: يتفرقوا عنه ولم ينصرفوا عما اجتمعوا له لعذر لهم {حتى يستأذنوه} قال الكلبي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض في خطبته بالمنافقين، ويعيبهم فينظر المنافقون يميناً وشمالاً فإذا لم يرهم أحد انسلوا وخرجوا

الصفحة 643