كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

فَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الْقِتَالِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَلِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ اصْطَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ قَدْ الْتَزَمَ بِالْإِحْرَامِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلصَّيْدِ بِمَا يُزِيلُ أَمْنَهُ وَالْأَمْرُ بِهِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ يُزِيلُ الْأَمْنَ عَنْهُ فَيَحْرُمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقْتَضِي الْحَضْرَةَ وَالدَّلَالَةَ تَقْتَضِي الْغَيْبَةَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَاقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَالثَّوْبَ الْمَصْبُوغَ بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ قَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَالْكَعْبُ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فِيمَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَسِيلًا لَا يَنْفُضُ أَيْ لَا يَفُوحُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ وَالتَّفْسِيرَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الطِّيبُ لَا اللَّوْنُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْمَصْبُوغَ بِمَغْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزِّينَةُ وَالْمُحْرِمُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ عَنْهَا حَتَّى قَالُوا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تَتَحَلَّى بِأَنْوَاعِ الْحُلِيِّ وَتَلْبَسَ الْحَرِيرَ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةَ أَيْضًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسِتْرُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) يَعْنِي يَتَّقِيهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَمَا كَانَ لِتَخْصِيصِ الْمَرْأَةِ فَائِدَةٌ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ وَمَاتَ لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ لَا يُخَمِّرُهُ الْمُحْرِمُ قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهَا تَغْطِيَتُهُ، وَهُوَ عَوْرَةٌ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ إحْرَامَ الْمَرْأَةِ أَثَرٌ فِي الْوَجْهِ فَقَطْ وَسَاقَهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِيهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَطِّي وَجْهَهُ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ الْعِدْلَ وَالطَّبَقَ وَالْإِجَّانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَحْمِلُ مَا يُغَطِّي بِهِ الرَّأْسَ عَادَةً كَالثِّيَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمَّا «حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذِي الْحِجَّةِ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ أَلَا إنَّ الزَّمَانَ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّ الشُّهُورَ اثْنَا عَشْرَ شَهْرًا أَرْبَعَةٌ مِنْهَا حُرُمٌ، ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ» فَقَدْ اسْتَقَرَّ الْوَقْتُ فِي بَابِ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ أَلَا، إنَّ الزَّمَانَ الْحَدِيثَ لَا تُجَادِلُوا بَعْدَ هَذَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَتْلُ الصَّيْدِ إلَخْ) سَمَّاهُ صَيْدًا قَبْلَ وُقُوعِ الِاصْطِيَادِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَتِهِ اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَأُرِيدُ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ هُنَا إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ، وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ وَصَيْدُ الْبَرِّ حَرَامٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ وَالصَّيْدُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَصَيْدُ الْبَرِّ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَرِّ وَصَيْدُ الْبَحْرِ مَا كَانَ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْبَحْرِ أَمَّا الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَحْرِ وَتَوَالُدُهُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ وَاَلَّذِي يَتَوَالَدُ فِي الْبَحْرِ وَيَكُونُ فِي الْبَرِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ كَالضُّفْدَعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ التَّوَالُدُ وَالْكَيْنُونَةُ عَارِضٌ فَيُعْتَبَرُ الْأَصْلُ دُونَ الْعَارِضِ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَأَمَّا مَا لَا يَتَوَحَّشُ كَالدَّجَاجِ الْأَهْلِيِّ وَالْبَطِّ الْكَسْكَرِيِّ، وَهُوَ الْبَطُّ الْكَبِيرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَنَازِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَبْحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَحِّشٍ وَأَمَّا الْبَطُّ الَّذِي يَصِيرُ فَهُوَ صَيْدٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ اهـ
(قَوْلُهُ عَلَّقَ حِلَّهُ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ وَالْأَمْرِ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ وَعِنْدَكُمْ الصَّيْدُ لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهُ بِإِشَارَةِ الْمُحْرِمِ وَدَلَالَتِهِ قُلْنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. اهـ. مُسْتَصْفَى وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِلِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِوَرْسٍ) وَالْوَرْسُ شَيْءٌ أَحْمَرُ قَانِئٌ يُشْبِهُ سَحِيقَ الزَّعْفَرَانِ مَجْلُوبٌ مِنْ الْيَمَنِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ الْكُرْكُمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكَعْبُ هُنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْكَعْبُ هُنَا الْعَظْمُ الْمُثَلَّثُ الْمُبَطَّنُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ لَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَنْفُضُ) أَيْ لَا يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ) وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطِّيبِ لَا لِلتَّنَاثُرِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْبُوغًا رَائِحَةً طَيِّبَةً لَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ شَيْءٌ يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْهُ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى اهـ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ أَيْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ كَاكِيٌّ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَاثَرُ
قَالَ الْعَيْنِيُّ، وَهُوَ أَقْرَبُ لِمَادَّةِ اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَتْرُ الرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَوْ غَطَّى رُبُعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَخَفَّةِ الْجِنَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمٌ حَتَّى يُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ عَلَى الرَّجُلِ أَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ فِي الرَّجُلِ آكَدُ مِنْهُ فِي الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفَّيْنِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا» الْفَرْقُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُغَطِّي وَجْهَهُ فِي

الصفحة 12