كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَسْلُهُمَا بِالْخِطْمِيِّ) أَيْ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ لِحْيَتُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا يَتَّقِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ طِيبًا وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَيَجْتَنِبُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَعِنْدَهُمَا الصَّدَقَةُ.
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى اشْتِبَاهِ الْخِطْمِيَّ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَنَظِيرُهُ اخْتِلَافُهُمْ فِي نِكَاحِ الصَّائِبَاتِ وَصِحَّةِ الرُّقْبَى وَالْإِقْطَارِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَسُّ الطِّيبِ) أَيْ يَجْتَنِبُهُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ لَا تُحَنِّطُوهُ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ الْحَاجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الشَّعِثُ التَّفِلُ» رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَالتَّفَلُ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ وَعَلَى هَذَا الِادِّهَانُ وَالْحِنَّاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهُ الْخِضَابُ بِالْحِنَّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ خَلِيلِي لَا يُحِبُّ رِيحَهُ وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُحِبُّ الطِّيبَ» وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ الْحِنَّاءُ طِيبٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُحِبُّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الطِّيبِ إمَّا لِشِدَّةِ رَائِحَتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحَلْقُ رَأْسِهِ وَقَصُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] وَالْقَصُّ فِي مَعْنَى الْحَلْقِ فَثَبَتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الشُّعْثِ وَقَضَاءَ التَّفَثِ فَلَا يَجُوزُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) يَعْنِي لَا يَتَّقِي الِاغْتِسَالَ وَدُخُولَ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْتَسَلَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَكَى أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ اغْتِسَالَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ يَغْتَسِلُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُغَيِّبَ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ لِتَوَهُّمِ التَّغْطِيَةِ أَوْ خِيفَةَ قَتْلِ الْقَمْلِ فَإِنْ فَعَلَ أَطْعَمَ، وَإِنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَدَلَّكَ افْتَدَى قُلْنَا لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ مُعْتَادَةٍ فَأَشْبَهَ صَبَّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَوَضْعَ يَدَيْهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ وَقَالَ مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِأَوْسَاخِنَا شَيْئًا» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمَلِ) أَيْ لَا يَتَّقِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعَادِلُ امْرَأَتَهُ فِي الْمَحْمَلِ لَا يَجْعَلُ عَلَيْهَا ظِلًّا وَلَا يَضَعُ ثَوْبَهُ عَلَى شَجَرَةٍ فَيَتَظَلَّلُ بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَمَرَ رَجُلًا قَدْ رَفَعَ ثَوْبًا عَلَى عُودٍ يَسْتَتِرُ مِنْ الشَّمْسِ فَقَالَ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْت لَهُ أَيْ أَبْرِزْ لِلشَّمْسِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَنَا حَدِيث «أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ حَجَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْت أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنْ الْحَرِّ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَا يُعَارِضُهُ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَامِ
وَبَيَانُهُ أَنَّ وَجْهَ الْمَرْأَةِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَتْهُ فِي الْإِحْرَامِ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ وَرَأْسُ الرَّجُلِ مَسْتُورٌ عَادَةً فَإِذَا كَشَفَهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَلَا يُقَالُ الْقِسْمَةُ تَقْتَضِي قَطْعَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تَحَقَّقَ انْقِطَاعُ الشَّرِكَةِ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَتَّقِي غَسْلَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا جَسَدُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ) بِالتَّشْدِيدِ جَمْعُ هَامَّةٍ، وَهِيَ الدَّابَّةُ مِنْ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَأُرِيدَ بِهَا الْقَمْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ التَّفِلُ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ التَّفِلُ الَّذِي تَرَكَ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ مِنْ التَّفْلِ، وَهُوَ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ اهـ قَالَ السُّرُوجِيُّ: نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ طِيبٌ مَحْضٌ مُعَدٌّ لِلتَّطَيُّبِ بِهِ كَالْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْغَالِيَةِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اُسْتُعْمِلَ حَتَّى لَوْ دَاوَى بِهِ عَيْنَيْهِ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ وَلَا فِيهِ مَعْنَى الطِّيبِ كَالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ فَسَوَاءٌ أَكَلَهُ أَوْ أَدْهَنَ بِهِ أَوْ جَعَلَهُ فِي شُقُوقِ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَنَوْعٌ لَيْسَ بِطِيبٍ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ أَصْلٌ لِلطِّيبِ وَيُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِدَامِ كَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْإِدْهَانِ فِي الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ، وَإِنْ أُكِلَ وَاسْتُعْمِلَ فِي شُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ دَاوَى بِهِ الْجُرْحَ أَوْ دَهَنَ سَاقَيْهِ لَا يُعْطَى حُكْمَ الطِّيبِ كَالشَّحْمِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ وَيُجْبِرَ الْكَسْرَ وَيَعْصِبَهُ وَيَنْزِعَ الضِّرْسَ وَيَخْتَتِنَ وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَيُكْرَهُ تَعْصِيبُ رَأْسِهِ وَلَوْ عَصَّبَهُ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَّبَ غَيْرَهُ مِنْ بَدَنِهِ لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا عِلَّةٍ اهـ
وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَفِي الْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ فِي الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ صَدَقَةٌ وَفِي الْكَثِيرِ دَمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ إلَخْ) كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا أَنْ يُقَالَ رَأْسِك وَشَعْرِك وَظُفْرِك اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَفِي جَوَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجِمَاعُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالطِّيبُ وَالنُّورَةِ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَالْخُفِّ وَالِاصْطِيَادُ فِي الْبَرِّ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَالْأَدْهَانُ حَتَّى لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَذْبَحُ شَاةً إلَّا فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ مُخْتَلِفٌ عَلَى مَا يَجِيءُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) وَدَفَعَ بِتَجْوِيزِ كَوْنِ هَذَا الرَّمْيِ فِي قَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، فَيَكُونُ بَعْدَ إحْلَالِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ مِنْ أَلْفَاظِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَحِينَئِذٍ يَبْعُدُ وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا بَاطِنًا، وَإِنْ كَانَ السَّنَدُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ رَمْيَهَا يَوْمَ النَّحْرِ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَظْلِيلٍ فَالْأَحْسَنُ الِاسْتِدْلَال بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ «فَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَصَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ قَالَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا» الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ وَنَمِرَةُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ عُمَرَ

الصفحة 13