كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

الْحُجَّاجِ» وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك جِئْت لِأُؤَدِّيَ فَرَائِضَك وَأَطْلُبَ رَحْمَتَك وَأَلْتَمِسَ رِضَاك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَضَائِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّينَ إلَيْك الْمُشْفِقِينَ مِنْ عَذَابِك الْخَائِفِينَ مِنْ عِقَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي الْيَوْمَ بِعَفْوِك وَتَحْفَظَنِي بِرَحْمَتِك وَتَجَاوَزْ عَنِّي بِمَغْفِرَتِك وَتُعِينُنِي عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِك اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخَلَنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَابْدَأْ بِالْمَسْجِدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ) لِمَا رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ «أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ» ثُمَّ حَجّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ ثُمَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْت أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ حَجَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِسَفَرِهِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ وَيَكُونُ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَخَلَ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ؛ وَلِأَنَّ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ قُبَالَةَ الْبَيْتِ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي دُخُولِهِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخَلَنِي فِيهَا اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك فِي مَقَامِي هَذَا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك وَأَنْ تَرْحَمَنِي وَتُقِيلَ عَثْرَتِي وَتَغْفِرَ ذَنْبِي وَتَضَعَ عَنِّي وِزْرِي وَيُلَاحِظُ جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ وَيَتَلَطَّفُ بِمَنْ يُزَاحِمُهُ وَيَعْذُرُهُ وَيَرْحَمُهُ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مَا نُزِعَتْ إلَّا مِنْ قَلْبِ شَقِيٍّ فَإِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ الْمُطَهَّرِ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثَلَاثًا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك هَذَا تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ كَانَ يَقُولُ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» وَلَا يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ بَلْ بِاسْتِلَامِ الرُّكْنِ وَالطَّوَافِ لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ تِلْقَاءَ الْبَيْتِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمِلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ» لِحَدِيثِ عَطَاءٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُعَيِّنْ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُذْهِبُ الرِّقَّةَ فَيَكُونُ كَمَنْ يُكَرِّرُ مَحْفُوظَهُ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِمَا نُقِلَ مِنْهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فَحَسَنٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُسْتَلِمًا بِلَا إيذَاءٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَبَدَأَ بِالْحَجَرِ فَاسْتَقْبَلَهُ فَكَبَّرَ وَهَلَّلَ» «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ يَا عُمَرُ، إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ فَلَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِي الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْت خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَتَرْكُ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَ الْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا لِقَوْلِ ابْنُ عُمَرَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ وَوَضَعَ شَفَتَهُ عَلَيْهِ وَبَكَى طَوِيلًا فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا عُمَرُ هَهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَقَبَّلَهُمَا لِقَوْلِ نَافِعٍ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ مَا تَرَكْته مُنْذُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّرْفِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَبْدَأُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالُوا أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ مُحْرِمًا كَانَ أَوَّلًا الطَّوَافُ لَا الصَّلَاةُ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ دَخَلَ فِي وَقْتِ مَنْعِ النَّاسِ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ خَافَ فَوَاتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرَ أَوْ السُّنَّةَ رَاتِبَةً أَوْ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَيُقَدِّمُ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ ثُمَّ يَطُوفُ فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَطَوَافُ تَحِيَّةٍ أَوْ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ، وَهُوَ أَيْضًا تَحِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ أَخَصُّ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ هَذَا إنْ دَخَلَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ فَطَوَافُ الْفَرْضِ يُغْنِي كَالْبُدَاءَةِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ يُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُ الْعُمْرَةِ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَبِّرْ) أَيْ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ اهـ قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ يَعْنِي عِنْدَ التَّكْبِيرِ لِافْتِتَاحِ الطَّوَافِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِقِيَاسِ الشُّبْهَةِ لَا الْعِلَّةِ وَيَكُونُ بَاطِنُهُمَا فِي هَذَا الرَّفْعِ إلَى الْحَجَرِ كَهَيْئَتِهِمَا فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ شَوْطٍ إذَا لَمْ يَسْتَلِمْهُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ
(قَوْلُهُ وَيَدْعُو بِحَاجَتِهِ إلَخْ) وَسُؤَالُ الْمَغْفِرَةِ مِنْ أَهَمِّهَا عَقِيبَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ الْمُسْتَجَابَةَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُعَيِّنْ لِمَشَاهِدِ الْحَجِّ) الْمَشَاهِدُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأَمَاكِنُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مُسْتَلِمًا) يَعْنِي بَعْدَ الرَّفْعِ لِلِافْتِتَاحِ وَالتَّكْبِيرِ تَسْتَلِمُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيُقَبِّلْ الْحَجَرَ) ثُمَّ هَذَا التَّقْبِيلُ لَا يَكُونُ لَهُ صَوْتٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَقَبَّلَهُمَا) وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَسَحَ الْوَجْهَ بِالْيَدِ مَكَانَ تَقْبِيلِ الْيَدِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لَا يُشْرَعُ التَّقْبِيلُ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمُصْحَفِ وَلِأَيْدِي الصَّالِحِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلِلْقَادِمَيْنِ مِنْ السَّفَرِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ وَلَا امْرَأَةً مُحَرَّمَةً وَلِوُجُوهِ الْمَوْتَى الصَّالِحِينَ وَمَنْ نَطَقَ بِعِلْمٍ أَوْ حِكْمَةٍ يُنْتَفَعُ بِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفِعْلِ السَّلَفِ فَأَمَّا تَقْبِيلُ الْأَحْجَارِ وَالْقُبُورِ وَالْجُدَرَانِ وَالسُّتُورِ وَأَيْدِي الظَّلَمَةِ وَالْفَسَقَةِ وَاسْتِلَامِ ذَلِكَ جَمِيعِهِ فَلَا يَجُوزُ.
وَلَوْ كَانَتْ أَحْجَارَ الْكَعْبَةِ أَوْ الْقَبْرَ الْمُشَرَّفَ أَوْ جِدَارَ حُجْرَتِهِ أَوْ سُتُورَهُمَا أَوْ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ وَنَحْوَهُمَا تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ خَاصٌّ بِاَللَّهِ فَلَا يَجُوزُ

الصفحة 15