كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْتَصَبَتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَدَّمَانِ عَلَى الدُّعَاءِ تَقْرِيبًا إلَى الْإِجَابَةِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَإِنَّمَا يَصْعَدُ عَلَى الصَّفَا بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْبَيْتُ بِمَرْأَى عَيْنِهِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْبَيْتِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالصُّعُودِ فَيَكْتَفِي بِهِ وَيَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بَابَ الصَّفَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَبْوَابِ إلَيْهِ فَكَانَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا ذِكْرُ الدَّعَوَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذَا الْمَوَاضِعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عِنْدَ الْحَجَرِ بِدُعَاءِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ اللَّهُمَّ، إنَّك تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤَالِي اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُنِي إلَّا مَا كَتَبْت عَلَيَّ وَالرِّضَا بِمَا قَسَمْت لِي فَأَوْحَى اللَّهُ إنِّي قَدْ غَفَرْت لَك وَلَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِك يَدْعُونِي بِمِثْلِ مَا دَعَوْتنِي إلَّا غَفَرْت ذُنُوبَهُ وَكَشَفْت هُمُومَهُ وَنَزَعْت الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ وَأَنْجَزَتْ لَهُ كُلَّ نَاجِزٍ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا، وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُهَا ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ وَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَأَدْخِلْنِي فِيهَا وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِذَا صَعِدَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَيَجْعَلُ بَطْنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الْأَيْدِيَ لَا تُرْفَعُ إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اهْبِطْ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَافْعَلْ عَلَيْهَا فِعْلَك عَلَى الصَّفَا) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ذِكْرُ الدَّعَوَاتِ الْمَنْقُولَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ السَّلَفِ وَيَقُولُ فِي هُبُوطِهِ إلَى الْمَرْوَةِ اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِسُنَّةِ نَبِيِّك وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَهُمَا الْمِيلَانِ الْأَخْضَرَانِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْجِدَارِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِدَارِ عَبَّاسٍ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَيَقُولُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُفْ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ)؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَبْدَأُ بِالصَّفَا وَتَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ وَرَوَى النَّسَائِيّ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» عَلَى الْأَمْرِ وَلَوْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالْأُولَى لِمُخَالِفَتِهِ الْأَمْرَ ثُمَّ الذَّهَابُ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ هَكَذَا يَفْعَلُ إلَى سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الذَّهَابُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعُ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ فَكَذَا مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «فَلَمَّا كَانَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت» الْحَدِيثَ جَعَلَ آخِرَ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ آخِرَهُ عَلَى الصَّفَا وَلَوَقَعَ الْخَتْمُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ رُوَاةَ نُسُكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَافَ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ» وَبِمَا قَالُوهُ يَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ شَوْطًا؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَوْدُهُ إلَى الصَّفَا شَوْطًا كَانَ نَقْضًا لِفِعْلِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ أَنَّ الشَّوْطَ فِي الطَّوَافِ لَا يَتِمُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّاهُ حُصُولُ الرِّفْقِ بِأُصُولِ الرِّزْقِ مَا نَصُّهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إلَى الْأَرْضِ قَامَ وِجَاهَ الْكَعْبَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءَ اللَّهُمَّ، إنَّك تَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي فَاقْبَلْ مَعْذِرَتِي وَتَعْلَمُ حَاجَتِي فَأَعْطِنِي سُؤْلِي وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك إيمَانًا يُبَاشِرُ قَلْبِي وَيَقِينًا صَادِقًا حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَنِي إلَّا مَا كَتَبْت لِي وَرَضِّنِي بِمَا قَسَمْت لِي. اهـ. (قَوْلُهُ بِمِثْلِ مَا دَعَوْتنِي) أَيْ بِهَذَا الدُّعَاءِ. اهـ. طَبَرَانِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ (قَوْلُهُ: وَكَشَفْت هُمُومَهُ) أَيْ وَزَجَرْت عَنْهُ الشَّيْطَانَ. اهـ. طَبَرَانِيٌّ فِي الْأَوْسَطِ (قَوْلُهُ وَهُمَا الْمِيلَانِ الْأَخْضَرَانِ)، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَحْمَرُ أَوْ أَصْفَرُ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْمِيلَانِ عَلَامَتَانِ بِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ فِي مَمَرِّ بَطْنِ الْوَادِي اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ تَبْدَأْ بِالصَّفَا وَتَخْتِمْ بِالْمَرْوَةِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ، وَإِنْ سَعَى رَاكِبًا لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي الطَّوَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَى النَّسَائِيّ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» إلَخْ) وَرُوِيَ نَبْدَأُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالْأُولَى) وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ وَأَتَى الصَّفَا جَازَ وَيَعْتَدُّ بِهِ، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِتَرْكِ السُّنَّةِ فَيُسْتَحَبُّ إعَادَةُ ذَلِكَ الشَّوْطِ قَالَ السُّرُوجِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْغَايَةِ وَلَا أَصْلَ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَقَالَ الرَّازِيّ: فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ الشَّوْطَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ اهـ فَقَوْلُ السُّرُوجِيِّ لَا أَصْلَ لِمَا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِيهِ نَظَرٌ
(قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ آخِرَهُ عَلَى الصَّفَا) أَيْ وَهَذَا لَا يَنْتَهِضُ

الصفحة 20