كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطُفْ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَك)؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الصَّلَاةَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ فَطَوَافُ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ الْغُرَبَاءَ مَا يُمْكِنُهُمْ الطَّوَافُ إلَّا فِي أَيَّامِ الْحَجِّ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالتَّنَقُّلُ بِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَكَذَا لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إذَا كَانَ قَارِنًا لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَيُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى مَا بَيَّنَّا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ اُخْطُبْ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَعَلِّمْ فِيهَا الْمَنَاسِكَ)، وَهُوَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى تَعْلِيمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَيُعَلِّمُ فِيهِ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَاتٍ وَالصَّلَاةَ وَالْوُقُوفَ فِيهَا وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثُ خُطَبٍ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِيَةُ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالثَّالِثَةُ بِمِنًى فِي الْيَوْمِ الْحَادِيَ عَشْرَ فَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ كُلُّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا إلَّا خُطْبَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّهَا تُخْطَبُ بَعْدَ الزَّوَالِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهَا يَوْمُ الْمَوْسِمِ وَمَجْمَعُ الْحُجَّاجِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَطَبَ يَوْمَ السَّابِعِ» وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَقَرَأَ عَلِيٌّ سُورَةَ بَرَاءَةَ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُطْبَةِ التَّعْلِيمُ فَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَا اشْتِغَالٍ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا أَنْفَعَ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ خُطْبَةٍ مِنْ الْآخَرِينَ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ رُحْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَجَّهَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ فَلَمَّا طَلَعَتْ الشَّمْسُ رَاحَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ إلَى مِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ لَمْ يُقَيِّدَاهُ بِوَقْتٍ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى مِنًى بَعْدَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَيْنَا وَاتَّفَقَتْ الرُّوَاةُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَلَوْ بَاتَ بِمَكَّةَ وَصَلَّى بِهَا الْفَجْرَ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ وَمَرَّ بِمِنًى أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمِنًى فِي هَذَا الْيَوْمِ إقَامَةُ نُسُكٍ. وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ الِاقْتِدَاءَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ وَافَقَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ الْجُمُعَةَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَخْرُجُ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا وَسُمِّيَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ لِأَجْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَقِيلَ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يَذْبَحُ وَلَدَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى فِي النَّهَارِ كُلِّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ) أَيْ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ هَذَا الْحَدِيثُ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ الْأَطْوِفَةِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَسْعَى عَقِيبَ طَوَافِ اللِّقَاءِ وَيَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَرْمُلَ فِيهِ دُونَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ أَتَى بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَرْمُلُ فِيهِ كَمَا فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَفْضَلُ لِلْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ إذَا أَتَى بِطَوَافِ الْقُدُومِ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْوَاجِبُ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لِكَثْرَةِ الْوَظَائِفِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا سَعَى عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَإِنْ أَخَّرَ السَّعْيَ عَنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرْمُلُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الرَّمَلَ شُرِعَ فِي طَوَافٍ عَقِيبَهُ سَعْيٌ اهـ قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ الْوَظَائِفِ أَيْ فَإِنَّهُ يَرْمِي وَقَدْ يَذْبَحُ ثُمَّ يَحْلِقُ بِمِنًى ثُمَّ يَجِيءُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ الطَّوَافَ الْمَفْرُوضَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مِنًى لِيَبِيتَ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَالتَّنَقُّلُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ.

(قَوْلُهُ وَعَلِمَ فِيهَا) أَيْ فِي الْخُطْبَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَيْسَ بِإِضْمَارٍ قَبْلَ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ اُخْطُبْ يَدُلُّ عَلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعَلِّمُ فِيهِ) أَيْ كَيْفِيَّةَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَكَيْفِيَّةَ الرَّمَلِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) أَيْ جِلْسَةً خَفِيفَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْتَدِئُ الْخُطْبَةَ إذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَخْطُبُ الْإِمَامُ قَبْلَ الْأَذَانِ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُلُوبِ أَنْجَعَ) أَيْ أَبْلَغَ. اهـ. فَتْحٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَتَخَوَّلُ فِي الْمَوْعِظَةِ». اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ خُطْبَةٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ فِي مَوْضِعِهَا) قُلْت أَمَّا الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَفِ الشَّارِحُ بِمَا وَعَدَهُ مِنْ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِيمَا يَأْتِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ الْآخَرَيْنِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ أَيْ مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُبَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ إلَى مِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ) قَالَ فِي الْوَافِي ثُمَّ أَتَى مِنًى بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى فِي النَّهَارِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ رَوَّأْت فِي الْأَمْرِ تَرْوِئَةً فَكَّرْت فِيهِ وَنَظَرْت وَمِنْهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَأَصْلُهَا الْهَمْزُ وَأَخْذُهَا مِنْ الرَّوِيَّةِ خَطَأٌ وَمِنْ الرَّيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ أَيْ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَيُقَالُ رَوَيْت فِي الْأَمْرِ أَيْ نَظَرْت فِيهِ وَفَكَّرْت قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ وَيُقَالُ رَجُلٌ لَهُ رُوَاءٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْمَدِّ أَيْ مَنْظَرٌ اهـ

الصفحة 22