كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

شَرْطًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِذَا بَنَى عَلَيْهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ هُنَاكَ وَلَمْ يُعَلِّقْ وُقُوعَهَا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ، وَلَوْ قَالَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ وَمَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ فَوُجِدَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ جُمْلَةً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُنْفَصِلًا عَنْ بَعْضٍ بِأَنْ سَكَتَتْ عِنْدَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ ثُمَّ شَاءَتْ الْبَاقِيَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فَاصِلٌ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْعَكْسُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلْوَاحِدَةِ فَكَانَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَيْسَ بِمَشِيئَةٍ لَهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ) أَيْ عَكَسَتْ فِي الْجَوَابِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً بَائِنَةً فَتَقُولُ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَيَقَعُ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ وَيَلْغُو مَا وَصَفَتْ بِهِ لِكَوْنِهَا مُخَالِفَةً فِيهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُخَالِفَةً بِمِثْلِ هَذَا حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لِمُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْمَعْدُومُ بَطَلَ)؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَبَطَلَ أَمْرُهَا؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ شِئْت طَلَاقَك بِنَاءً عَلَى الْمُتَقَدِّمِ فَيَقَعُ ابْتِدَاءً غَيْرُ الَّذِي عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ شِئْت مُبْهَمًا وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبْنَى عَلَى السَّابِقِ إذَا اُعْتُبِرَ السَّابِقُ وَهُنَا قَدْ بَطَلَ السَّابِقُ لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَلَا قَوْلُهُ شِئْت عَنْ ذِكْرِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ حَتَّى لَوْ قَالَ شِئْتُ طَلَاقَك يَنْوِي الْإِيقَاعَ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْجَدْت أَوْ حَصَّلْت طَلَاقَك وَتَحْصِيلُ الطَّلَاقِ وَإِيجَادَهُ بِإِيقَاعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْتُ طَلَاقَك؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لُغَةً عِبَارَةٌ عَنْ الطَّلَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ» أَيْ طَالِبُهُ وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ لَا يَكْذِبُ الرَّائِدُ أَهْلَهُ أَيْ طَالِبُ الْكَلَأِ أَوْ الْغَيْثِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الطَّلَبِ الْوُجُودُ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمَشِيئَةَ سِيَّانِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْبَارِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَكَلَامُنَا فِي إرَادَةِ الْعِبَادِ
وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَفْرِقَةٌ بِالنَّظَرِ إلَيْنَا وَتَسْوِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ لَا مَحَالَةَ، وَكَذَا سَائِرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِصِفَاتِنَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ شَائِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ شِئْت يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَرِيدِي طَلَاقَك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَتْ أَرَدْت لَا يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَحِبِّي طَلَاقَك أَوْ اهْوِي طَلَاقَك فَفَعَلَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْهَوَى نَوْعُ تَمَنٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَدْتِ أَوْ أَجَبَبْت أَوْ رَضِيَتْ أَوْ هَوِيَتْ فَفَعَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّك وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ لَهَا رَضِيت طَلَاقَك يَقَعُ يَعْنِي إذَا نَوَى فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ) أَيْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا الْأَمْرُ قَدْ مَضَى وَالْمَسْأَلَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَجْزَاءُ الْمَشْرُوطِ لَا تَتَوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ) وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ الْوَاحِدَةُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فَتَقُولُ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) أَيْ تَقَعُ رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا رَجْعِيَّةً لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ لَا إلَى ذِكْرِ وَصْفِهِ فَذِكْرُهَا إيَّاهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا لَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِإِيقَاعِهَا لَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى التَّفْوِيضِ فَذِكْرُهَا كَسُكُوتِهَا عَنْهُ وَعِنْدَ سُكُوتِهَا يَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُفَوَّضِ وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ قُلْنَا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْت لِيَكُونَ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ شِئْتِ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ) أَيْ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ وَلَا فِي الْمَذْكُورِ الَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِينِي. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ) أَيْ لَا تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى) أَيْ كَشِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ أَوْ لِأَمْرٍ كَائِنٍ كَشِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا. اهـ. فَتْحٌ

الصفحة 228