كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِكُلٍّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً حَتَّى طَلُقَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَاهُمْ لَا إلَى نِهَايَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَلِمَةُ كُلَّمَا تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ
فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ مَرَّةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ فِعْلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَيَتَنَاهَى لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا لِأَنَّ انْعِقَادَهَا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً حَنِثَ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهَا وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الِاسْمِ
وَإِذَا تَزَوَّجَ غَيْرَهَا حَنِثَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَقِّهَا، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ أُخْرَى وَأُخْرَى بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً يَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ)؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلُقَتْ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ تَطْلُقْ وَلَا يَحْنَثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَهَا كَكَلِمَةِ كُلٍّ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا وَاسْتَوْضَحَ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ فَهُوَ صَدَقَةٌ أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت هَذِهِ الدَّابَّةَ فَعَلَيَّ صَدَقَةُ كَذَا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ مَا الْتَزَمَ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا أَوْ كُلَّمَا رَكِبْت دَابَّةً فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِلَافَ زُفَرَ حَيْثُ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ دَائِمًا، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ وَقَدْ صَحَّ التَّعْلِيقُ فَلَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ الْمِلْكُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ ابْتِدَاءً لِيَكُونَ الْجَزَاءُ مُخِيفًا بِوُجُودِهِ ظَاهِرًا عِنْدَ الْحِنْثِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَا سَبَبًا لَهُ قَبْلَ وُجُودِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ صَحَّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ لِتَحَقُّقِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَلِحُصُولِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْإِخَافَةِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ مَعْدُومٌ بَلْ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ مَعْدُومٌ فَلَأَنْ يَبْقَى بَعْدَ الِانْعِقَادِ أَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ الْمَوْجُودِ وَلَمْ يَبْقَ فَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهُ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ لَا تَعْتِقُ بِدُخُولِهَا الدَّارَ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَتْ الدَّارَ تَعْتِقُ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ وَالْمُرَادُ زَوَالُهُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَمَّا إذَا زَالَ بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ فَإِنَّهُ يُزِيلُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا بِاعْتِبَارِ مِلْكٍ سَيَحْدُثُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ طَلَقَتْ وَانْحَلَّتْ)؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيَنْزِلُ وَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِبَقَاءِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَمُرَادُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَمَّا بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا تَنْحَلُّ بِوُجُودِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ تَكَرَّرَ دَائِمًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ إلَّا إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ أَوْ مُضِيفًا لَهُ إلَى الْمِلْكِ أَوْ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فَيَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجِّزِ لِلطَّلَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَكَلِمَةُ كُلٍّ تَقْتَضِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي. وَأَمَّا كُلٌّ فَتَسْتَدْعِي عُمُومَ الْأَسْمَاءِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّعْمِيمِ لَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ نِسْوَةً طَلُقْنَ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِرَارًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا مَرَّةً اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ هَذَا الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَحْدُثُ مِنْ الْمِلْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ وَفِي حَقِّهَا مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ عِنْدَنَا، فَقَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ صَوَابُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَفِي حَقِّهَا أَيْ حَقِّ الْمَنْكُوحَةِ مُتَنَاهٍ إلَى اسْتِيفَاءِ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَرَّرَ الشَّرْطُ حَتَّى بَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ تَكَرَّرَ دَائِمًا، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فَظَهَرَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّازِيّ فِيهِ نَظَرٌ وَصَوَابُهُ مَا قُلْنَاهُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَبَانَهَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ وَتَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَأَنْ تَصِحَّ مَعَ عَدَمِ الْمِلْكِ بَقَاءً أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ) أَيْ، مِثْلُ أَنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَبِوُجُودِ الشَّرْطِ مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ بِخِلَافِ كَلِمَةِ كُلَّمَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا لَا وَانْحَلَّتْ) مِثْلُ مَا إذَا وُجِدَ دُخُولُ الدَّارِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ ثَانِيًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

الصفحة 235