كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهِيَ تَدَّعِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَمْ أَدْخُلْهَا، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ دَخَلْتهَا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَزَوَالِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُنْكِرُ السَّبَبَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَأَنَّ الْحُرْمَةَ أَيْضًا تَمْنَعُهُ مِنْ الْوِقَاعِ وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَلَا يُتَّهَمُ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْطَالَ حُكْمٍ وَاقِعٍ فِي الظَّاهِرِ لِوُجُودِ وَقْتِ السُّنَّةِ
وَقَدْ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ لِلْحَالِ لِكَوْنِهِ يُرِيدُ كَوْنَهُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ حَيْثُ يَتَأَخَّرُ سَبَبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ فَيَكُونُ مُنْكِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) أَيْ إذَا أَقَامَتْ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّهَا نَوَّرَتْ دَعْوَاهَا بِالْحُجَّةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا كَإِنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ فَقَطْ) أَيْ إذَا عَلَّقَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا كَقَوْلِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلُقَتْ هِيَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَطْلُقْ فُلَانَةَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّهَا تَدَّعِي شَرْطَ الْحِنْثِ عَلَى الزَّوْجِ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَ كَيْ لَا يَقَعَا فِي الْحَرَامِ إذْ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا شَرْعًا فَيَجِبُ طَرِيقُهُ وَهُوَ الْإِخْبَارُ فَتَعَيَّنَتْ لَهُ فَيَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهَا لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ، وَلِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْإِظْهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228]، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِخْبَارِ فَائِدَةٌ، وَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْغَشَيَانِ حَتَّى انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِقَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتِي وَيَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِالثَّانِي وَيَحْرُمُ غَشَيَانُهَا وَهُوَ الْوَطْءُ بِقَوْلِهَا أَنَا حَائِضٌ وَيَحِلُّ بِقَوْلِهَا قَدْ طَهُرْت لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهَا حَاضَتْ حَقِيقَةً
وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ شَخْصٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِكَلَامٍ وَاحِدٍ جِهَتَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا الْحَدِّ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ وَالْحَيْضُ قَائِمٌ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الشَّرْطِ
وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَةً تُقْبَلُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ؛ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ فَلَا يُقْبَلُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ هَذَا إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ. وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا فَتَطْلُقُ ضَرَّتُهَا أَيْضًا لِثُبُوتِ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا بِتَصْدِيقِهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ
وَكَذَا إنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ وَكَذَّبَ وَاحِدَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا أَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَحُكْمُهُ يُعْرَفُ مِمَّا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضِك) ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك وَأَنْكَرَتْ اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهَا) أَيْ مِنْ وَجْهَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ) أَيْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى نَصِيبِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَاقُونَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَكَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ) أَيْ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ. اهـ. فَتْحٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ) أَيْ بِأَنْ قَالَتْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حِضْت وَطَهُرْت فَلَا تُصَدَّقُ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا هُوَ الشَّرْطُ حَالَ فَوَاتِهِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَهُ) أَيْ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ وَلَا يَقَعُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ عَنْ الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ أَمِينَةً شَرْعًا فِيمَا تُخْبِرُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَلَا تَكُونُ مُؤْتَمَنَةً حَالَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَوْ قَالَ لَهُمَا إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ أَوْ وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَوَلَدٍ وَاحِدٍ، ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الصَّرْفِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى اهـ.
(قَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا)، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ وَلَدْتُمَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْوِلَادَةِ مِنْهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا وَهُوَ حَيْضُهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِإِقْرَارِهَا وَحَيْضُ ضَرَّتِهَا الثَّابِتُ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ لِعَدَمِ وُجُودِ الشَّرْطِ حَيْثُ لَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِحَيْضِ ضَرَّتِهَا، وَإِقْرَارُ ضَرَّتِهَا بِالْحَيْضِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمُخْبِرَةِ لَا غَيْرُ اهـ

الصفحة 236