كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

فَأَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنَجِّزُ الثَّلَاثَ بَطَلَ الْمُعَلَّقُ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمُعَلَّقَ مُطْلَقُ الطَّلَاقِ لَا طَلَاقُ اللَّفْظِ وَقَدْ بَقِيَ احْتِمَالُ الْوُقُوعِ بَعْدَ تَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْيَمِينُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عِنْدَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ بَعْدَ صِحَّةِ الْيَمِينِ وَتَخَلُّلُ زَوَالِ الْمَحَلِّ لَا يُخِلُّ كَمَا لَا يُخِلُّ تَخَلُّلُ زَوَالِ الْمِلْكِ وَكَيْفَ يُقَالُ يُبْطِلُ التَّنْجِيزُ التَّعْلِيقَ وَمَا صَادَفَهُ التَّنْجِيزُ غَيْرُ مَا صَادَفَهُ التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّ مَا صَادَفَهُ التَّنْجِيزُ طَلَاقٌ وَمَا صَادَفَهُ التَّعْلِيقُ مَا سَيَصِيرُ طَلَاقًا وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا سَبَبٍ لَهُ فِي الْحَالِ
وَلِهَذَا جَازَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ عَدِمَ الْحِلَّ فَلَأَنْ يَبْقَى أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يُعْقَدُ لِطَلَاقٍ يَصْلُحُ جَزَاءً وَاَلَّذِي يَصْلُحُ جَزَاءً طَلَاقٌ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْحَالِفِ بِالْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ أَوْ الْحَمْلُ عَلَى إعْدَامِ الشَّرْطِ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَطَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ اتَّصَفَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِكَوْنِهَا مَوْجُودَةً
وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى التَّخْوِيفِ فَيَقَعُ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ أَمَّا طَلْقَاتُ مِلْكٍ سَيُوجَدُ يَنْدُرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الشَّرْطِ فَلَا يَصْلُحُ جَزَاءً فِي يَمِينِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَصْلُحُ جَزَاءً لَا فِيمَا لَا يَصْلُحُ فَإِذَا ثَبَتَ تَقْيِيدُ الْجَزَاءِ بِطَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ وَقَدْ فَاتَتْ بِالتَّنْجِيزِ فَيَبْطُلُ الْيَمِينُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلِأَنَّهَا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَفَوْتُ مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوْتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ جُعِلَتْ الدَّارُ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا لَا تَبْقَى الْيَمِينُ فَهَذَا مِثْلُهُ
وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ قُلْنَا لَهُ شُبْهَةُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبُهُ الْبِرُّ وَعِنْدَ فَوَاتِهِ مَضْمُونٌ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ كَالْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَنْعَقِدُ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ هُنَا فَكَذَا انْعِقَادُهَا بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَهِيَ مَحْصُورَةٌ بِالثَّلَاثِ وَقَدْ أُوقِعَ كُلُّهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَهُ مَا يَكُونُ مُخِيفًا لَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ هَذَا بِمَا إذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ فَدَخَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَبِمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ لَا يَبْطُلُ الْيَمِينُ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِيَمِينِهِ وَبِمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ مَا ظَاهَرَ مِنْهَا حَيْثُ يَبْقَى الظِّهَارُ وَإِنْ فَاتَ مَحَلُّهُ
وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ نَجَّزَ الثَّلَاثَ تَبْقَى الْيَمِينُ بِالظِّهَارِ وَإِنْ فَاتَ الْمَحَلُّ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ الدَّارَ صَارَ مُظَاهِرًا لَهَا قُلْنَا أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ إذْ الْمَحَلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحِلِّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ وَقَدْ اسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْيَمِينِ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَيْهَا قَصْدًا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِصِفَةِ الرِّقِّ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ حَتَّى لَوْ فَاتَتْ بِالْعِتْقِ لَمْ يَبْقَ الْيَمِينُ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَحْرِيمُ الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ إلَّا أَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ شَرْطِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحِلِّ الْأَصْلِيِّ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ فَيَفُوتُ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ أَبَانَهَا بِطَلْقَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَطْلُقُ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَلْ يَهْدِمُ الطَّلْقَةَ وَالطَّلْقَتَيْنِ أَمْ لَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الرَّجْعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ تَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الرَّدِّ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَعِنْدَهُمَا لَا تَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَحْرُمُ، وَكَذَا تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ مَا رَدَّهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَا تَثْبُتُ الْغَلِيظَةُ عِنْدَهُمَا وَتَثْبُتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ مَرَّتَيْنِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ رَدَّهَا الْأَوَّلُ تَطْلُقُ كُلَّمَا دَخَلَتْ الدَّارَ إلَى أَنْ تَبِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَعْلِيقُهُ رَاجِعٌ لِلزَّوْجِ وَلِذَا شَمِلَ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَرَجَّعَهُ الْعَيْنِيُّ لِلثَّلَاثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ شَرْحِ الرَّازِيّ وَحِينَئِذٍ لَا يَشْمَلُ تَعْلِيقَ الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ فَصَنِيعُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ) لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ الْجَزَاءِ غَالِبَ الْوُقُوعِ لِتَحَقُّقِ الْإِخَافَةِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ بِهِ عَدَمُ فِرَاقِهَا وَعَوْدُهَا إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ فَلَا يَكُونُ غَيْرُ الْمِلْكِ الْقَائِمِ مُرَادًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِ الْإِطْلَاقِ بِهِ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ أَعْنِي إرَادَةَ الْيَمِينِ وَأَيْضًا بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ خَرَجَتْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لَهُ وَإِنَّمَا تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بَعْدَ الثَّانِي فَصَارَ كَالْمُرْتَدَّةِ تَحْدُثُ مَحَلِّيَّتُهَا بِالْإِسْلَامِ وَبُطْلَانُ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْجَزَاءِ يُبْطِلُ الْيَمِينَ كَفَوَاتِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَجُعِلَتْ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا لَا يَبْقَى الْيَمِينُ فَهَذَا كَذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ) حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ هَذَا فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ. اهـ. ابْنُ فُرْشَتَا. (قَوْلُهُ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تَفُتْ تِلْكَ الصِّفَةُ) أَيْ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِعَرَضِيَّةِ الزَّوَالِ يَشْتَرِيهِ ثَانِيًا مِنْ مَالِكِهِ فَيُجْعَلُ كَالْبَاقِي فِي مِلْكِهِ اهـ
.

الصفحة 240