كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

الْعَشَرَةِ أَيْ لِأَجْلِ أَنَّهَا تَمَّتْ لَا لِانْقِطَاعِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْقِطَاعُ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ فَوُجُودُ الِانْقِطَاعِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَشَرَةِ كَعَدَمِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ وَكَانَ لَهَا عَادَةٌ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّجْعَةَ انْقَطَعَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الدَّمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَضَّدَ الِانْقِطَاعُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطِّهَارَاتِ وَذَلِكَ بِالِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا بِهِ الْقِرَاءَةُ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ وَهُوَ قَدْرُ مَا تَقْدِرُ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مُلْحَقٌ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ دَمَهَا يُتَوَهَّمُ عَوْدُهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ قُلْنَا الْمَوْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ كَمَا إذَا اغْتَسَلَتْ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا انْقَطَعَتْ بِهِ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَيْهَا وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ فَيَتَعَدَّى إلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً حَيْثُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَيَحِلُّ قُرْبَانُهَا وَإِنْ تَوَهَّمَ عَوْدَ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْمَوْهُومُ أَصْلًا وَلَا يُعَارِضُ الْمُحَقَّقَ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ فِي الْمُسْلِمَةِ بِالْأَثَرِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ الْكَافِرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَلِأَنَّ الْأَمَارَةَ الزَّائِدَةَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي حَقِّهَا فَلَا تُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي حَتَّى تَغْتَسِلَ بِمَاءٍ آخَرَ أَوْ تَتَيَمَّمَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْمَاءِ احْتِيَاطًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ حَتَّى تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ بِهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَقَلَّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ إلَخْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاغْتِسَالِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَجَوَازِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَدَائِهَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَإِذَا كَانَ كَالِاغْتِسَالِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَتْ لُمْعَةٌ فِي جَسَدِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ أَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِكَوْنِهِ تَلْوِيثًا حَقِيقَةً وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِيَقِينٍ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ كَيْ لَا تَتَضَاعَفَ الْوَاجِبَاتُ عَلَيْهَا، وَالثَّابِتُ ضَرُورَةً يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَهِيَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَكَانَ فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ عَدَمًا إلَّا إذَا حَكَمْنَا بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْأَدَاءِ فَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً صِحَّةَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الطَّاهِرَاتِ فَيَلْزَمُهُ انْقِطَاعُ الرَّجْعَةِ ضَرُورَةً حَكَمْنَا بِهَا وَقَبْلَ الْأَدَاءِ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حِلَّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْأَدَاءِ مَشْرُوطٌ بِاسْتِمْرَارِ الْعَجْزِ، وَلِهَذَا تُعِيدُ الصَّلَاةَ إذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الْأَدَاءِ وَقَوْلُهُمْ حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ كَقَوْلِهِمْ حَلَّ لَهَا الصَّلَاةُ إذَا طَهُرَتْ فَلَا يُنَافِي شَرْطًا آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ فِي جَسَدِهَا لُمْعَةٌ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ هُنَا لِتَوَهُّمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَسُرْعَةِ الْجَفَافِ فَكَانَتْ طَهَارَةً مُطْلَقَةً قَوِيَّةً حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَتْ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِأَنْ تَرَكَتْهُ عَمْدًا لَا تَنْقَطِعُ أَيْضًا بِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُطَهِّرًا مُطْلَقًا لَكِنَّهَا تُؤْمَرُ بِضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ فِيهِ ثُمَّ قِيلَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ بَعْدَ شُرُوعِهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَلَوْ قَرَأَتْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ أَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ قَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقِرَاءَةِ وَجَوَازَ مَسِّ الْمُصْحَفِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَتْبَاعٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ تَنْقَطِعُ، وَلَوْ عُضْوًا لَا)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالَ الْمُطَالَعَةِ اهـ. .

(قَوْلُهُ فَيَتَعَدَّى إلَيْهَا) أَيْ يَتَعَدَّى الرَّجْعَةَ حِينَ يَنْقَطِعُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ حَيْثُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا اغْتَسَلَتْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي بِهِ) أَيْ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ إلَخْ) أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْقَوْلُ بِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ مُشْكِلٌ وَغَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، أَمَّا النَّجَاسَةُ فَلَا فَتَأَمَّلْ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الِاغْتِسَالِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ مُطَهِّرًا مُطْلَقًا فَإِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ يُنَافِي احْتِمَالَ النَّجَاسَةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَتْ لُمْعَةٌ إلَخْ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ مَا لَمْ تُصَلِّ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَوْ يَمْضِ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةِ أَدْنَى الصَّلَوَاتِ إلَيْهَا. اهـ. شَرْحُ الطَّحَاوِيِّ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ) وَالْعُضْوُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَقَلُّ مِنْهُ كَالْأُصْبُعِ. اهـ. مُسْتَصْفَى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِمَا دُونَ الْعُضْوِ أَنْ يَبْقَى لُمْعَةٌ يَسِيرَةٌ نَحْوُ أُصْبُعٍ وَأُصْبُعَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

الصفحة 254