كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

مُجَرَّدُ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ فَيَتَنَاوَلهُمَا وَشَرَطَ أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ الْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ
أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ يُحْمَلُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ لِتَصَوُّرِهِ مِنْهَا دُونَ الْوَطْءِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهَا مَجَازًا كَمَا تُسَمَّى زَانِيَةً مَجَازًا بِالتَّمْكِينِ مِنْهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ وَمَجَازٌ لِلْعَقْدِ وَفِيهِ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَ أَنَّ فِيهِ تَسْمِيَةَ الْأَجْنَبِيِّ زَوْجًا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَئُولُ إلَيْهِ وَفِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْإِعَادَةِ أَيْضًا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ وَهُوَ نِسْبَةُ الْوَطْءِ إلَيْهَا فَكَانَ أَوْلَى.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ وَاَللَّهِ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَتْ «فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَاحِكًا، وَقَالَ لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سُئِلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ فَيُغْلِقُ الْبَابَ وَيُرْخِي السِّتْرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ «لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا» وَيُرْوَى «لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْكِتَابِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْعَقْدُ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْوَطْءِ تَكُونُ مُوَافِقَةً لَهُ فَلَا إشْكَالَ.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا شَرْطُ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ إلَى دَلِيلٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٌ فِيهِ وَنِهَايَةٌ فَكَانَ قَيْدًا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَشَذَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ قَالَ الْعُسَيْلَةُ الْإِنْزَالُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ فِي الْعُسَيْلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ وَهُوَ الدَّانِي مِنْ الْبُلُوغِ فِيهِ كَالْبَالِغِ
وَقِيلَ الَّذِي تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ وَيَشْتَهِي الْجِمَاعَ وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ اللَّذَّةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَأَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا وَلَا غُسْلَ عَلَى الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا لِيَتَعَوَّدَ بِهِ وَيَصِيرَ لَهُ سَجِيَّةٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَتَّى لَا يَشُقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَالْمَجْنُونُ فِيهِ كَالْعَاقِلِ وَالْخَصِيُّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ،
وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ وَحَمَلَتْ مِنْهُ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَثَبَتَ بِهِ الْإِحْصَانُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالزَّوْجُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُرْسَلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ وَوَصَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَيْفِيُّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَقَالُوا فِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزَّبِيرُ الْأَعْلَى بِفَتْحِ الزَّاي وَالْأَدْنَى بِالتَّصْغِيرِ، وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ مِنْ طَرِيقِ تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْبَدْرِيِّ كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً قَالَ أَبُو مُوسَى الظَّاهِرُ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ قُلْت وَظَاهِرُ السِّيَاقَيْنِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ لَكِنَّ الْمُشْكِلَ اتِّحَادُ اسْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِي اسْمِهَا اخْتِلَافٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّسَاءِ اهـ
ثُمَّ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ رِفَاعَةُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَظِيّ تَقَدَّمَ فِي رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ اهـ قُلْت وَعَلَى هَذَا فَسَمَوْأَلٌ هُوَ لَقَبُ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْإِصَابَةِ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ فِي حَرْفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ لَا أَعْلَمُ لَهَا غَيْرَ قِصَّتِهَا مَعَ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ حَدِيثَ الْعُسَيْلَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ اسْمُهَا سُهَيْمَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ عَائِشَةُ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ سُهَيْمَةُ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَمِيمَةَ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَائِشَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ النَّضْرِيَّةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَرْجَمَةِ زَوْجِهَا رِفَاعَةَ قَالَهُ أَبُو مُوسَى اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ابْنُ سَمَوْأَلٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَضَبَطَهُ بِالْقَلَمِ بِخَطِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ رَوَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت تَحْتَ رِفَاعَةَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ اهـ.
(قَوْلُهُ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ غُلَامٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ لَهُ امْرَأَةٌ يُجَامِعُهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا كَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ جِمَاعَ الْغُلَامِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِنُزُولِ

الصفحة 258