كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

إلَّا بِهِ وَهُوَ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَحَقِّ الْقِصَاصِ فَوَجَبَ بِالْتِزَامِهَا لَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ إنْ نَشَزَ) يَعْنِي يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالْفِرَاقِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى إيحَاشِهَا بِأَخْذِ الْمَالِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ نَشَزَتْ لَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا لَا يُكْرَهُ لَهُ الْأَخْذُ، وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ أَرَادَتْ الْفُرْقَةَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا»
وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا، وَلَوْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ جَازَ قَضَاءً وَكَذَا إذَا أَخَذَ شَيْئًا وَالنُّشُوزُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] الْجَوَازُ حُكْمًا وَالْإِبَاحَةُ وَقَدْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ فِي حَقِّ الْإِبَاحَةِ لِمُعَارِضٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» فَبَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ الصِّحَّةُ فَإِنْ قِيلَ النَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَخْذٌ بَعْدَ النَّهْيِ قُلْنَا النَّهْيُ وَرَدَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْإِيحَاشِ فَلَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّهَا تَصَرَّفَتْ فِي خَالِصِ حَقِّهَا بِاخْتِيَارِهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِلِ وَتَوْفِيقًا بَيْنَ النُّصُوصِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ)؛ لِأَنَّ مَا صَلُحَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى أَنْ يَصْلُحَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ
وَهَذَا لِأَنَّ الْبُضْعَ حَالَةَ الدُّخُولِ مُتَقَوِّمٌ وَعِنْدَ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَلِهَذَا جَازَ تَزْوِيجُ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِ الصَّغِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَالِهَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرِيضُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرِيضَةُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا وَمِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَمِنْ الثُّلُثِ إذَا مَاتَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَلَهُ بَدَلُ الْخُلْعِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا قِيمَةَ لَهُ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ، وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ لَوْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ مِلْكِهِ بِرِدَّتِهَا أَوْ تَقْبِيلِهَا ابْنَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَجِبْ لِلزَّوْجِ شَيْءٌ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَلَوْ كَانَ مُتَقَوِّمًا لَوَجَبَ وَقَوْلُهُ وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى جَازَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا أَيْضًا كَالْأَقَلِّ مِنْ الْعَشَرَةِ وَكَمَا فِي يَدِهَا وَبَطْنِ غَنَمِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ وَقَعَ بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا)؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ شَيْئًا مُتَقَوِّمًا لِتَصِيرَ غَارَّةً لَهُ وَلَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ لِتَجِبَ عَلَيْهَا قِيمَتُهُ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ فَسَدَتْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ حَيْثُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَهَانَهَا وَأَهْدَرَ تَقَوُّمَهَا فَلَمْ تَصْلُحْ لِإِبْطَالِ قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ وَلَا لِتَقْوِيمِ غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ مِثْلُهُ مِنْ خَلٍّ وَسَطٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهَا بِتَسْمِيَةِ الْمَالِ ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فَقَدْ وَقَعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ الْعَامِلُ فِيهِ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ وَالْأَوَّلُ صَرِيحٌ فَيَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالثَّانِي كِنَايَةٌ فَيَكُونُ بَائِنًا.
وَقَوْلُهُ كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا يَعْنِي كَقَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا وَمُرَادُهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ مَجَّانًا أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا يَقَعُ مَجَّانًا فِي قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مُتَقَوِّمٌ أَوْ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَلَمْ تَصِرْ غَارَّةً وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالْغُرُورِ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ زَادَتْ مِنْ مَالٍ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ رَدَّتْ مَهْرَهَا أَوْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ) أَيْ زَادَتْ عَلَى قَوْلِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ مَالٍ أَوْ قَالَتْ مِنْ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ رَدَّتْ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى الْمَهْرَ الَّذِي أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِامْرَأَةِ ثَابِتٍ إلَخْ) رُوِيَ «أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ لَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنْ أَخْشَى الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ لِشِدَّةِ بُغْضِي إيَّاهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْخُلْعِ رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا إلَخْ) يَعْنِي بِغَيْرِ شَيْءٍ عَلَيْهَا وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وُقُوعًا مَجَّانًا وَوَزْنُهُ فَعَّالٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. اهـ. عَيْنِيٌّ، وَقَالَ الرَّازِيّ قَوْلُهُ مَجَّانًا قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ) أَيْ: عَلَيْهَا مِثْلُ كَيْلِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَلَكِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ) أَيْ أَوْ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ

الصفحة 269