كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 2)

صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا الضَّمَانِ الْكَفَالَةَ عَنْ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ بَدَلِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَلَا يَحْصُلُ لَهَا بِهِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ قَبْلُ وَاشْتِرَاطُ الْبَدَلِ فِيهِ الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً كَالْكَفَالَةِ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ عَلَيْهَا وَفِي الْعِتْقِ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَالثَّمَنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَيْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَافْتَرَقَا
وَلَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ الْبَدَلَ عَلَيْهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لَهُ بِأَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً وَهِيَ الَّتِي تَعْرِفُ أَنَّ الْخُلْعَ سَالِبٌ وَالنِّكَاحَ جَالِبٌ فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ يَعْتَمِدُهُ دُونَ لُزُومِ الْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عَنْهَا صَحَّ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهَا تَتَخَلَّصُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِلَا مَالٍ وَلِذَلِكَ صَحَّ مِنْهَا فَصَارَ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَلَا يَصِحُّ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْيَمِينِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا تَوَقَّفَ عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ قَبِلَهُ الْأَبُ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَا لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ ضَمِنَهُ صَحَّ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ قِيلَ تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا عَلَى مَالٍ آخَرَ مِثْلَ مَهْرِهَا أَمَّا الْخُلْعُ عَلَى مَهْرِهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ مِلْكِهَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ
وَلَا يُعْتَبَرُ ضَمَانُهُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَهْرِهَا كَالْخُلْعِ عَلَى مَالٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهُ لَا عَيْنَهُ وَضَمَانُ الْأَبِ إيَّاهُ صَحِيحٌ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ مَهْرُهَا أَلْفًا مَثَلًا وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ قِيَاسًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ إذَا خَالَعَتْ عَلَى مَهْرِهَا وَهُوَ أَلْفٌ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ فِي الْقِيَاسِ يَلْزَمُهَا خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالْتَقَيَا بِقَدْرِهِ قِصَاصًا فَبَقِيَ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةٍ زَائِدَةٌ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ أَلْفٌ بِالشَّرْطِ وَخَمْسُمِائَةٍ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يُرَادُ بِهِ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ عُرْفًا وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ خَمْسِمِائَةٍ بِالشَّرْطِ لِمَا قُلْنَا وَتَبْرَأُ عَنْ الْبَاقِي بِحُكْمِ الْخُلْعِ
وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِيمَا تَقَدَّمَ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ الْأَلْفِ كُلِّهِ ثُمَّ جُمْلَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَبُولِهَا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَفِي وُقُوعِهِ بِقَبُولِ الْأَبِ رِوَايَتَانِ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ ضَمِنَ كَمَا فِي الْكَبِيرَةِ إذَا خَالَعَ عَنْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ خُلْعِ الْأَبِ فَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ حُكْمِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ لِيَزْدَادَ وُضُوحًا لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَنَقُولُ بَدَلُ الْخُلْعِ إذَا أُضِيفَ إلَى الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَإِنْ أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْعَيْنِ وَالْمَرْأَةُ مُخَاطَبَةٌ أَوْ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى بِهَذَا الْعَقْدِ إذْ الْمِلْكُ يَسْقُطُ عَنْهَا بَيَانُهُ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَمْ يُضَفْ إلَى أَحَدٍ وَلَزِمَهَا تَسْلِيمُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ،
وَلَوْ قَالَ اخْلَعْهَا عَلَى عَبْدِي هَذَا أَوْ عَلَى أَلْفَيْ هَذِهِ فَخَلَعَهَا صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَا إلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَكَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اخْلَعْنِي عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ أَوْ دَارِهِ فَأَجَابَهَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكِ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ جَرَى مَعَهَا فَكَانَتْ هِيَ الدَّاخِلَةَ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِرَبِّ الْعَبْدِ خَالَعْتُ امْرَأَتِي عَلَى عَبْدِك يُعْتَبَرُ قَبُولُ صَاحِبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِلزَّوْجِ اخْلَعْ امْرَأَتَك عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ يُعْتَبَرُ قَبُولُ فُلَانٍ لِأَنَّ الْبَدَلَ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَتْ اخْلَعْنِي عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ فُلَانًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَبِيرَةً وَضَمِنَ الْأَبُ بَدَلَ الْخُلْعِ تَمَّ الْخُلْعُ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يَتِمُّ الْخُلْعُ فَالْأَبُ أَوْلَى وَإِنْ خَالَعَ الْأَبُ عَلَى صَدَاقِهَا تَمَّ الْخُلْعُ أَيْضًا ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ أَجَازَتْ الْمَرْأَةُ تَصِحُّ إجَازَتُهَا وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ كَانَ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ كَأَنَّ الْأَبَ قَالَ لَهُ خَالِعْ عَلَى صَدَاقِهَا إنْ أَجَازَتْ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ فَعَلَى مِقْدَارِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً فَإِنْ ضَمِنَ الْأَبُ تَمَّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهِ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لَا عَلَى الْأَبِ وَلَا عَلَى الصَّغِيرَةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ إنْ قَبِلَتْ الصَّغِيرَةُ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَانَ الْخُلْعُ مَعَ الصَّغِيرَةِ وَإِنْ قَبِلَ الْأَبُ عِنْدَ الْخُلْعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّ لِسَانَ الْأَبِ كَلِسَانِهَا اهـ وَهُنَاكَ فُرُوعٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا.
(قَوْلُهُ فَالْقَبُولُ إلَى الْمَرْأَةِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هِيَ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَفِعَ بِهِ هِيَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إضَافَةُ الْبَدَلِ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ ضَمَانٍ أَوْ إضَافَةَ مِلْكٍ فَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهَا عَجَزَتْ عَنْ تَسْلِيمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُ مَا لَا تَعْجِزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْبَدَلَ إلَى نَفْسِهِ إضَافَةَ مِلْكٍ فَقَدْ جَعَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ بَدَلَ الْخُلْعِ وَالْخُلْعُ يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَدَلِ فَصَارَ مُسْتَوْجِبًا لِلْبَدَلِ فَإِيجَابُ الْأَجْنَبِيِّ بَدَلَ الْخُلْعِ جَائِزٌ فَصَارَ تَقْدِيرُ هَذَا الْخُلْعِ كَأَنَّهُ قَالَ خَالِعْ امْرَأَتَك بِأَلْفٍ يَجِبُ عَلَيَّ ابْتِدَاءً بِحُكْمِ الْخُلْعِ، وَلَوْ قَالَ هَكَذَا يَكُونُ الْعَاقِدُ هُوَ وَالْقَبُولُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ قَبُولَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

الصفحة 274