كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 2)

ما كانوا يعرفون في مصر من أدباء الشام إلاّ قليلاً، ممّن عاشوا فيها أو كتبوا في صحفها، أمثال كرد علي والمغربي ورفيق العظم ورشيد رضا وشكيب أرسلان ومحبّ الدين الخطيب، ثم خير الدين الزركلي وعادل زعيتر وإسعاف النشاشيبي وصاحب جريدة «الشورى» محمد علي الطاهر، ولست أحصيهم ولكن أمثّل لهم بمن خطرت على بالي الآن أسماؤهم.
وكانت أكثر الصحف يملكها ناس من نصارى الشام كالأهرام والمقطَّم والمقتطَف والهلال، حتى أنشأ الشيخ علي يوسف جريدة «المؤيّد» ومصطفى كامل «اللواء». وكانت أكثر دور النشر لشاميين تمَصّروا؛ كدار الهلال، ودارَي الخانجي والبابي الحلبي اللتين نشرتا من المخطوطات ما يملأ مكتبة كاملة، ثم الشيخ منير الدمشقي وحسام الدين القدسي، وقبلهما دار المنار والمطبعة السلفية لمحبّ الدين، التي خلّصت المؤلّفين من هذا المرض الذي نحسّ أوجاعه ولا نجد الدواء له، مرض الأخطاء المطبعية التي طالما فكّرت -من غيظي منها- أن أدع كتابة هذه الذكريات والفتاوى وأن أحرّم على نفسي النشر في الصحف! كانت «السلفية» (كما كانت قبلها «الأميرية» ببولاق) دار الأمان من الأخطاء، لأن خالي محبّ الدين كان يصحّح تجارِب الطبع بنفسه، والأميرية كان يصحّح فيها أكابر علماء مصر كالشيخ نصر الهوريني صاحب «المطالع النصرية».
أقول: إن مصر كانت هي الميدان المنوَّر، من أحب أن يُرى مكانه ذهب إليها أو نشر آثاره فيها، حتى إن الممثلين والموسيقيين لا يُعرَفون إلاّ إنْ عرفت بهم مصر، يأتونها مغمورين فتجعلهم

الصفحة 397