كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 2)

أبداً؟ ثم أخبرني: ألا ترى أن الأدب العربي قد شبّ ولم يعُد طفلاً يدلَّل ويرقّص، وأن الإيمان به قد خالط قلوب الأدباء فلم يعودوا من المؤلَّفة قلوبهم الذين يُسترضَون ويُعطَون لئلاّ يَجنحوا إلى الردّة بعد الإيمان؟ وأن من مصلحة هذا الأدب أن يتفق طائفة من شيوخه وقادته على مذهب واحد فيه، ثم يعلنوا هذا المذهب للناس ليتبعوه ويؤثروه؟ ومذاهب الأدب كثيرة، ولكنا منها بين اثنين: مذهب «الأدب للفن» ومذهب «الأدب للحياة». أنعمل وغايتنا «الجمال الفني» وحده، وسواء لدينا أكان هذا الجمال في مقطوعة ماجنة أم قصّة مفسدة أم مقالة ملحدة، وسواء لدينا ... أم نعمل وغايتنا تسخير الأدب للقضية الكبرى، واتخاذه أداة لتحقيقها ووسيلة من وسائل الإصلاح، الإصلاح الأخلاقي والسياسي والاجتماعي؟ أوَلا ترى -ياسيدي- أن هناك حقيقة أسمى من الحقيقة الفنية (إن كان للفن حقيقة)؟ وأنه لا يجوز أن نقول بمقالة بعض الفرنجة «الفن للفن» لأن هذا هو القياس مع الفارق، ولأن لأولئك مدافع وأساطيل وكياناً واستقلالاً، ونحن قوم يبنون لأنفسهم كِياناً واستقلالاً، فيجب أن نجمع قُوانا كلها على هذا البناء وأن نجعل الأدب في مقدّمة هذه القوى ...
إلى آخر ما جاء في المقال الذي صيغ صياغة السؤال. وكنت أريد به أن تكون «الرسالة» من المجلاّت الملتزمة، لا بما تُلزِمها به أهواء الحكّام أو شهوات القراء أو أسباب الرّواج، بل تلتزم بألاّ تنشر ما ينافي الدين وما ينافي الخلق الكريم وما يعارض الحقّ والعدل.

الصفحة 401