كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 3)

بِالاسْتِدْلالِ فَقَطْ، وبعْضُهم بِالاسْتِصْلاحِ، وهذه الألْفاظِ وإنْ كانتْ مُخْتَلِفةً إلاَّ أنَّها بِمَعْنىً واحِدٍ وهو: الفائِدَةُ أوِ الثَّمَرَةُ المُتَرَتِبَةُ على مَشْرُوعِيَّةِ حُكْمٍ لَمْ يَدلَّ الدَّليلُ المُعَيَّنُ على اعْتِبارِها أو إلْغائِها، غايَةُ الأَمْرِ أنَّ إطْلاقَ الاسْتِدْلالِ فَقَطْ على المَصالِحِ المُرْسَلَةِ فيه تَجَوُّزٌ؛ لأِنَّ الاسْتِدْلالَ دَليلٌ ليسَ بِنصٍّ ولا إِجْماعٍ ولا قِياسٍ؛ فيَشْمَلُ كُلَّ الأَدِلَّةِ المُختَلَفِ فيها، فإطْلاقُه على نَوعٍ مُعَينٍ منها وهو المَصالِحُ المُرسَلَةُ، مِن بابِ إطْلاقِ الكُلِّ على البَعْضِ، فأمَّا المُناسِبُ المُرْسَلُ أو الاسْتِدْلالُ المُرْسلُ فهو كما قالَ الغَزَالِيُّ: التَّعلُّقُ بِمُجرَّدِ المَصلَحَةِ مِن غَيرِ اسْتِشْهادٍ بِأصْلٍ مُعَيَّنٍ.
أي: تَعَلُّقُ المُجْتَهِدِ أو الفَقِيهِ في إثْباتِ حُكمٍ مِن الأَحْكامِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِه على المَصْلحَةِ الَّتي لَمْ يَدُلَّ الدَّليلًُ المُعيَّنُ على اعْتِبارِها أو إلْغائِها، وهذا هو الإرْسالُ.
ووجْهُ إطْلاقِه -أي: المُناسِبُ المُرسَلُ أو الاسْتِدْلالُ المُرْسَلُ- على المَصْلَحةِ المُرسَلَةِ: أنَّ المَصلحَةَ مُلازِمَةٌ لِلْوَصْفِ المُناسِبِ؛ وذلكَ لأنَّ الحُكْمَ المَبْنِيَّ على هذا الوَصْفِ المُرْسَلِ تَكونُ مَصْلحتُه المُتَرَتِّبةُ عليه مُرسَلةً أيضاً، بِمَعْنى أنَّه كُلَّما كانَ الوَصْفُ أو العِلَّةُ مُرسَلةً كانت المَصلَحةُ المُترتِّبةُ على الحُكمِ المَبْنِيِّ على هذا الوَصفِ أو العِلَّةِ مُرسَلَةً أيضاً.
وأمَّا الاسْتِصْلاحُ فهو: عِبارَةٌ عن اسْتِنباطِ المُجْتَهدِ الحُكمَ مِن الَواقِعةِ الَّتي لا نَصَّ فيها ولا إجْماعَ ولا قِياسَ بِناءً على المَصلحَةِ المُرْسَلَةِ.

الصفحة 20