كتاب تشنيف المسامع بجمع الجوامع (اسم الجزء: 3)

جِنسٍ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ، وهذا عَينُ مَا اشْتَرَطَهُ العُلَمَاءُ مِن الحَنَفِيَّةِ والشَّافِعِيَّةِ والحَنَابِلَةِ فِيها.
وأمَّا السَّبَبُ الرَّابِعُ: فإنَّه لاَ يَلْزَمُ مِن إنْكارِ الشَّافِعِيِّ لِلاسْتِحْسانِ إنْكارُه لِلْمصالِحِ المُرْسَلَةِ، ولاَ يَلْزَمُ مِن عَدَمِ ذِكْرِه لَها بِصَرِيحِ العِبارَةِ عَدَمُ احْتِجَاجِهِ بِها، بَلْ مَن يَتَدَبَّرُ طُرُقَ اجْتِهادِهِ يَعْلَمُ أنَّه يَحْتَجُّ بِها، ويَتَّضِحُ بِذلكَ: أنَّ المَصْلَحةَ المُرْسَلَةَ قالَ بِها الأَئِمَةُ، ولَمْ يَخْلُ مِن القَولِ بِها مَذْهَبٌ مِن المَذاهِبِ.
قالَ القَرَافِيُّ: وأمَّا المَصلَحَةُ المُرسَلةُ فَغَيرُنا يُصَرِّحُ بِإِنْكارِها، ولَكِنْ عندَ التَّفْرِيعِ نَجِدُهمْ يُعَلِّلُونَ بِمُطْلَقِ المَصلَحَةِ، ولا يُطالِبُونَ أنْفُسَهم عِندَ الفُرُوقِ والجَوَامِعِ بِإِبْداءِ الشَّاهِدِ لها بِالاعْتِبارِ، بَلْ يَعْتَمِدُونَ على مُجَرَّدِ المُناسَبَةِ، وهذا هُو المَصْلَحةُ المُرْسَلةُ.
ويقُولُ الأُسْتاذُ الدُّكْتُورُ البُوَيْطِي: صَفْوَةُ القَولِ: المَصالِِحُ المُرْسَلَةُ مَقْبُولَةٌ بِالاِتِّفاقِ وإنَّما أَعْنِي بِالاِتِّفاقِ: اتِّفاقَ الصَّحابَةِ والتَّابِعينَ والأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ، فَلَيسَ مِن المُهِمِّ بَعْدَ ثُبُوتِ ذلكَ أنْ تُنْكِرَه فِئَةُ الظَّاهِرِيَّةِ فقَدْ أنْكَرُوا القِياسَ مِن قَبْلِهِ، مَعَ أنَّه مُعْتَمَدٌ مِن عامَّةِ المُسْلِمينَ، كمَا أنَّه لاَ يَضِيرُ هذا الاتِّفَاقَ أنْ يُنْكِرَ القَولَ بِه آحادٌ مِن الأُصُولِيِّينَ كالقَاضِي أبي بَكْرِ البَاقِلاَّنِيِّ والآمِدِيِّ فأَغْلَبُ الظَّنِّ أنَّ إنْكارَهُما لَها إنَّما هُوَ يَعْنِي عَدَمَ اعْتِبارِها أصْلاً مُسْتَقِلاًّ في التَّشْرِيعِ، ويَتَبَيَّنُ بِذلكَ أنَّ الاحْتِجاجَ بِالمَصلَحةِ المُرسَلةِ مَحَلُّ اتِّفاقٍ ولَيسَتْ مَحَلَّ خِلافٍ ـ إلاَّ مَا نُقِلَ عنِ الظَّاهَرِيَّةِ ـ وإنَّما مَحَلُّ الخِلافِ في اعْتِبارِها أصْلاً مُسْتَقِلاًّ بِذَاتِه، أو كَونِها مُنْدَرِجَةً تَحتَ دَليلٍ آخَرَ.
تََحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ:
أوَّلاً: مَحَلُّ الوِفَاقِ: قدْ اتَّفَقَ العُلَماءُ على ما يَاتِي:
١ - أنَّ المَصالِحَ المُعْتَبرَةَ الَّتي ثَبَتَتْ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ الاعْتِبارِ لَيستْ مَحَلَّ خِلافٍ، وإنَّما هي مَحَلُّ وِفاقٍ في جَوازِ التَّعْليلِ بها، وهذه المَصالِحِ لَيستْ مُرسَلَةً.

الصفحة 27